للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على التاجر بقبضِها، وحفظها كما يحفظ التاجر سلعتَه. فهذا المعنى إذا فهم انكشف به مقصود هذا الباب، فإنه قد أشكل على كثير من الفقهاء أولي الألباب.

وبهذا يتبين أن أظهر القولين أنه يجوز أن يقول: «عَجِّلْ لي وأَضَعُ عنك»، كما نُقل عن ابن عباس وغيرِه. وقد روي أن اليهود لما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - إجلاءَهم من المدينة قالوا: إن لنا ديونًا، فقال: «يُعجِّلُونها لكم، وضَعُوا عنهم البعضَ» (١). وهذا لأن صاحب المال هنا لم يربح، كما إذا قال: أجعلُ المئة بمئة وعشرين إلى سنة، بل نقصَ مالُه لأجل تعجيل القبض، والمدين ما ربحَ شيئًا، بل سقط عن ذمته. فهذا مقصوده استيفاء الدَّيْن لا بيعُ الدَّيْن، ولهذا جازت الحوالة لأنها إيفاء.

ولهذا جوَّز مالك وأبو حنيفة وغيرهما بيع الدَّيْن الساقط بالساقط، إذا كان لهذا على هذا دراهم، وللآخر ذهب، فقال: أسقط هذا بهذا، فهذا يجوز في أظهر القولين، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينهه عن بيع الدَّين بالدَّين، ولكن رُوي أنه نهى عن بيع الكالئ بالكالئ، مع ضعف الحديث. لكن بيع المؤخر بالمؤخر ــ مثل أن يُسلم شيئًا مؤخرًا في الذمة في شيء في الذمة ــ لا يجوز باتفاقهم إذا كان كل منهما شغل ذمته بما للآخر، من غير منفعة حصلت لأحدهما. والمقصود بالبيع النفع، فهذا يكون أحدهما قد أكل مال الآخر بالباطل إذا قال: أسلمتُ إليك


(١) سبق تخريجه.