للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شكروا الله الذي أعانهم على ذلك ويسَّرهم لليسرى، فلم يروا لهم أمرًا يَمُنُّون به على الخلق، ولا يُدِلُّون به على الخالق؛ إذ كان ذلك من نعمة الله عليهم وعلى الناس.

وأما الآخرون، فهم إن فعلوا مع أحدٍ خيرًا مَنُّوا به عليه، وآذوه، وربما اعتدوا عليه وظلموه. وإن فعلوا فاحشةً قالوا:

ألقاه في البحر مكتوفًا وقال له: ... إيَّاكَ إيَّاكَ أن تبتلَّ (١) بالماء (٢)

يحتجُّون على ربهم بحجةٍ داحضةٍ عند ربهم، تُغَلِّظُ ذنوبهم، وتزيدُهم شرًّا، من جنس احتجاج المشركين الذي قالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ١٤٨].

وإن عمل أحدٌ معهم ما يكرهونه لم يضيفوا ذلك إلا إليه، وقد يكون عادلًا عاملًا (٣) بحقٍّ، ولا يشهدون القَدَر في هذا الموضع، مع أن ذلك المؤذي إن كان ظالمًا فالذي سلَّطه عليهم ليس بظالم، فكيف إذا كان هو عادلًا فيهم، مطيعًا للشرع؟!

والربُّ عادلٌ في خلقه وأمره، منزَّهٌ عن الظلم، كما في الحديث الصَّحيح الإلهيَّ: "يا عبادي، إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّمًا، فلا


(١) الأصل: "تقبل". تحريف.
(٢) ثاني بيتين للحلاج في ديوانه (١٧٩)، و"وفيات الأعيان" (٢/ ١٤٣).
(٣) مهملة في الأصل رسمها قريبٌ من "قالا"، والمثبت أشبه بسياق الكلام، ويحتمل أن تكون: قائما، من القيام بالحق.