للعقل حكمًا كليًّا، كما إذا استقرينا كلَّ اسمٍ بعد فعلٍ على صيغة "فَعَلَ"، فوجدناه مرفوعًا، علمنا أن الفاعل مرفوع، وأن رفع الاسم على هذه الصفة دليلٌ على أنه فاعل.
كذلك "لو" مثلًا إذا سَمِع الناقلُ العربَ تقول: "لو زرتنا لأكرمناك"، وأفهموه أن كل واحدٍ من الأمرين ممتنعٌ في هذا المعنى، أوجب ذلك الحكمَ على هذا المثال بهذا الحكم، ثم رأينا هذا المعنى يُفْهَمُ من سائر الأمثلة، حكمنا حكمًا عامًّا بما حكموا به.
وإن وجدنا الأمر ينتقض أحيانًا من غير قرينةٍ طارئةٍ علمنا أن الموجب المفهم (١) هناك معنًى انفرد به.
وقد وجدناهم يقولون:"لو زرتنا لأكرمناك"، وكلاهما منتفٍ، ونظائره كثيرة, ووجدناهم يقولون مثلًا:"هذا محسنٌ إلى زيدٍ ولو أساء إليه"، "ولو أسأتَ إليَّ أحسنتُ إليك"، "ولو قلتَ لي ألف كلمةٍ ما قلتُ لك كلمة"، "ولو عصيتَ الله تعالى فيَّ لأطعتُ الله فيك", "ولو شتمتني لما شتمتُك"، كما يقال: إن رجلًا من العرب قال لآخر منهم: لو قلتَ لي كلمةً لقلتُ لك ألف كلمة، فقال له الآخر: لكن لو قلتَ لي ألف كلمةٍ لما قلتُ لك كلمة.
ونحو هذا كثير، يقصدون بذلك إثباتَ الملازمة بين هذين الأمرين، ونفيَ الملزوم لا نفيَ اللازم، أي: إن إساءتك مستلزمةٌ لإحسانك، وسببٌ فيها، بمعنى أنها مستلزمةٌ لما هو علةٌ للإحسان، لأنك إذا أسأتَ قارن إساءتَك ما في خُلُقي من الإحسان، فصارت هذه المقارنةُ سببًا لوجود