حجة الوداع - وهو أتمُّ حديثٍ جاء في صفة حجَّتِه - قال: حتى إذا زاغت الشمسُ أمرَ بالقَصوَاءِ فرحلتْ له، فأتى بطنَ الوادي، فخطبَ الناس فقال: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألَا كلُّ شيء من أمرِ الجاهلية تحتَ قدميَّ موضوع، ودماءُ الجاهلية موضوعة، وإن أولَ دمٍ أَضَعُ من دمائنا دمُ ابنِ ربيعةَ بن الحارث، كان مُسترضعًا في بني سعد فصَلَبَه هُذيل، وربا الجاهليةِ موضوع، وإن أول رِبًا أضعُه رِبَانَا رِبَا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كلُّه. فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهنَ بأمانة الله، واستحللتُم فروجَهن بكلمة الله، ولكم عليهنّ ألا يوطئنَ فُرُشَكُم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضْرِبُوهن ضربًا غير مُبَرِّح، ولهن عليكم رزقُهن وكسوتُهن بالمعروف، وقد تركتُ فيكم ما لم تَضِلُّوا بعدَه إن اعتصمتُم به كتابَ الله. وأنتم تُسْأَلون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلَّغتَ وأدَّيتَ ونصحتَ، فقالَ بأصبعِه السبَّابة يرفعها إلى السماء، ويَنْكُتُها إلى الناس: اللهمَّ اشْهَدْ، اللهمَّ اشْهَدْ، ثلاث مرات. ثم أذّن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقامَ فصلى العصر.
فهو هنا يدعو ربَّه ويُناجيه، مشيرًا بإصبعه إلى السماء، ثم ينكتها إليهم يقول: اللهمَّ اشهَدْ أنّيْ على ما قالوا. ومن رأى هذا الفعلَ منه وسمعَ هذا الكلامَ منه على هذا الوجه عَلِمَ ضرورةً أنه أشار بإصبعه إلى الله أن يَشهدَ على أمتِه بإقرارهم بالبلاغ. ولو كان يُكابِرُ وقال: هذا لا يدل، فلا يُنازع في أنه ظاهر في ذلك، ولو نازعَ في الظهورِ لم يُنازع في أن دلالة هذا وأمثالِه على علو الله أبينُ