من المفسِّرين إِنَّهَا كلّها تَوْقِيف من الله تَعَالَى.
وَقَالَ أهلُ التَّحْقِيق من أَصحابنا: لَا بُد من التَّوْقِيف فِي أصل اللُّغَة الْوَاحِدَة، لِاسْتِحَالَة وُقُوع الِاصْطِلَاح على أوّل اللُّغَات، من غير معرفةٍ من المصطلحين بِعَيْن مَا اصْطَلحُوا عَلَيْهِ، وَإِذا حصل التَّوْقِيف على لغةٍ وَاحِدَة، جَازَ أَن يكون مَا بعْدهَا من اللُّغَات اصْطِلَاحا، وَأَن يكون توقيفاً، وَلَا يُقْطَع بِأَحَدِهِمَا إِلَّا بِدلَالَة.
ثمَّ قَالَ: وَاخْتلفُوا فِي لُغَة الْعَرَب، فَمن زعم أَن اللغاتِ كلَّها اصطلاحٌ فَكَذَا قولُه فِي لغةِ الْعَرَب، وَمن قَالَ بالتوقيف على اللغةِ الأُخرى وَأَجَازَ الِاصْطِلَاح فِيمَا سواهَا من اللغاتِ، اخْتلفُوا فِي لُغَة الْعَرَب، فَمنهمْ من قَالَ: هِيَ أول اللُّغَات، وكلُّ لُغَة سواهَا حَدثَتْ فِيمَا بعد إِمَّا توقيفاً أَو اصْطِلَاحا، وَاسْتَدَلُّوا بِأَن الْقُرْآن كَلَام الله تَعَالَى، وَهُوَ عربيٌّ، وَهُوَ دَلِيل على أَن لُغَة الْعَرَب أسبقُ اللغاتِ وجودا، وَمِنْهُم من قَالَ: لُغَة الْعَرَب نَوْعَانِ: أَحدهمَا عَربيَّة حِمْير، وَهِي الَّتِي تكلّموا بهَا من عهد هُود ومَن قَبلَه، وَبَقِي بعضُها إِلَى وقتنا، وَالثَّانيَِة الْعَرَبيَّة الْمَحْضَة، الَّتِي بهَا نزل الْقُرْآن، وأوّل من أَطلق لِسانه بهَا إِسْمَاعِيل، فعلى هَذَا القولِ يكون تَوْقِيف إِسْمَاعِيل على الْعَرَبيَّة الْمَحْضَة يحْتَمل أَمريْن: إِمَّا أَن يكون اصْطِلَاحا بَينه وَبَين جُرْهُمٍ النازلين عَلَيْهِ بمكَّة، وَإِمَّا أَن يكون توقيفاً من الله تَعَالَى، وَهُوَ الصَّوَاب.