ابْن برّي: وإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَنِيقَةَ القميصِ هِيَ جُرُبانه، فهم مَعْناهُ، لأَنَّ جُرُباَّنَه مَعرُوفٌ، وَهُوَ طَوْقُه الَّذي فِيه الأَزْرارُ مَخِيطَةٌ، فإِذا أُرِيدَ ضَمه أدْخِلَتْ أَزْرارُه فِي العُرَى، فضَمَّ الصَّدْرَ إِلى النَّحْرِ، وعَلى ذلِك فُسِّرَ بيتُ المَجْنون، قَالَ: ويُبَيَنُ صِحَّةَ ذلِكَ مَا أَنْشَدَه القالِي فِي نَوادِرِه:
(لَهُ خَفَقانٌ يَرْفَعُ الجَيْبَ والحَشَى ... يُقَطعُ أَزْرارَ الجُرُباّنِ ثائِرُهْ)
وَهَذَا مِثلُ بَيْتِ ابنِ الدّمَيْنَةِ:
(رَمَتْنِي بطَرْفٍ لَو كَمِيّاً رَمَتْ بِه ... لبُلَّ نَجِيعاً نَحْرُه وبَنائِقُهْ)
لأَنَّ البَنِيقَةَ هِيَ الجُرُباّنُ، وَمِمَّا يَدُلكَ على أَنَّ البَنِيقَةَ هِيَ الجُرُبّانُ قَول جَرِيرٍ:
(إِذا قِيلَ هَذَا البَيْنُ راجَعْتُ عَبْرَةً ... لَها بجُرُباّنِ البَنِيقَةِ واكِفُ)
وإِنما أَضافَ الجُرباّنَ إِلى البَنِيقَةِ وإِن كانَ إِياّها فِي المَعْنَى ليُعْلَمَ أَنَّهما بمَعْنىً واحِدِ، وَهَذَا من بابِ إِضافةِ العامِّ إِلى الخَاص، وَلما كانَ الجرُباّنُ إِمّا ينطلقُ على البَنِيقَةِ وعَلَى غِلاف السَّيْفِ، وأُرِيدَ بِهِ البَنِيقَة، أضافَهُ إِلى البَنِيقَةِ، ليُخَصِّصَه بذلك، وَقَالَ أَبو العَباس الأَحْوَلُ: البَنيِقَةُ: الدِّخْرِصَةُ، وَعَلِيهِ فُسِّرَ بيتُ ذِي الرُّمَّةِ السابِقُ. وَقد عُرِفَ مِمَّا تَقَدم أَنَّ البَنِيقَةَ اخْتُلِف فِي تَفْسِيرها، فقِيلَ: هِيَ لَبِنَةُ القَمِيص، وقيلَ: جُرُباّنُه، وقِيلَ: دِخْرِصَته، فعَلَى هذَا تَكُونُ البَنِيقَةُ والدِّخرِصَةُ والجُرُبانُ بمَعْنىً واحدِ، وسُمِّيَتْ بَنِيقَةً لجَمْعِها وتَحْسِينِها، هَذَا حاصِلُ مَا ذَكَرُوه، فتَأَمَّلْ ذلِكَ. كالبِنَقَةِ، كعِنَبَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute