هَذَا مُقامُ قَدَمَى رَباحِ ذَبَّبَ حَتَّى دَلَكَتْ بَراحِ قَالَ قُطْرُب: بَراحِ، مثل قَطامِ: اسمٌ للشّمْسِ، وَقَالَ الفَرّاءُ: بِراحِ جَمْع راحَةٍ، وَهِي الكَفُّ، يَقُول: يَضَعُ كَفَّه على عَينَيهِ يَنْظُرُ هَل غَرَبَت الشَّمس وَهَذَا القَوْلُ نَقَلَه الفَرّاءُ عَن العَرَب، قَالَ الْأَزْهَرِي: ورُوِي ذَلِك عَن ابنِ مَسعُودٍ، قَالَ ابنُ بَرّي: ويُقَوِّي أَنّ دُلُوكَ الشّمسِ غُرُوبُها قولُ ذِي الرُّمَّةِ:
(مَصابِيحُ لَيسَتْ باللّواتِي يَقُودُها ... نُجومٌ وَلَا بالآفِلاتِ الدَّوالِكِ)
ورُوِي عَن ابنِ الْأَعرَابِي فِي قَوْله: دَلَكَت بِراحِ، أَي اسْتُرِيحَ مِنْها. أَو: دَلَكَت دُلُوكاً: إِذا اصْفرَتْ ومالَتْ للغُروبِ. أَو مالَتْ للزَّوالِ حَتّى كادَ النّاظِرُ يَحْتاجُ إِذا تَبَصَّرَها أَنْ يَكْسِرَ الشعاعَ عَن بَصَرِه براحَتِه. ورُوِي عَن نافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ قَالَ: دُلُوكُها: مَيلُها بعدَ نِصْفِ النَّهارِ. أَو زالَتْ عَن كَبِدِ السَّماءِ وقتَ الظُّهْرِ، رَوَاهُ جابِرٌ عَن ابنِ عَبّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُم، نقَلَه الفَرّاءُ، وَهُوَ أَيضاً قولُ الزَّجّاج، وَقَالَ الشّاعِرُ:
(مَا تَدْلُكُ الشَّمْسُ إِلاّ حَذْوَ مَنْكِبِهِ ... فِي حَوْمَةٍ دُونَها الهاماتُ والقَصَر)
قالَ الْأَزْهَرِي: والقولُ عِنْدِي أَنَّ دُلُوكَ الشَّمسِ زَوالُها نِصْفَ النَّهارِ لتكونَ الآيةُ جامِعَةً للصَّلَواتِ الخَمْسِ، وَهُوَ قولُه تَعالَى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمسِ الْآيَة، والمَعْنَى واللَّهُ أَعلمُ: أَقِم الصّلاةَ يَا مُحَمّدُ، أَي أَدِمْها من وَقْتِ زَوالِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللّيلِ، فيَدْخُل فِيهَا الأُولَى والعَصْرُ وصلاتَا غَسَق اللّيلِ، وهما العِشاءان، فَهَذِهِ أَرْبَعُ صَلَواتٍ، والخامِسَةُ قولُه: وقُرآنَ الفَجْرِ وَالْمعْنَى: وأَقِم صلاةَ الفَجْرِ، فَهَذِهِ خَمْسُ صَلَواتٍ فَرَضَها اللَّهُ تعالَى على نَبِيهِ صلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلّمَ وعَلى أُمَّتِه، وِإذا جَعَلْتَ الدلُوكَ: الغُرُوب كانَ الأَمْر فِي هَذِه الآيةِ مَقْصُوراً على ثَلاثِ صَلَواتٍ، فإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى الدُّلُوكُ فِي كلامِ العَرَبِ قيل: الدُّلُوكُ: الزَّوالُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute