للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والجِهَادَ؛ والمُغْرَى بِهِ، مرفوعٌ بكَذَبَ لَا يجوز نصبُه على الصِّحَّة، لأَنَّ كَذَبَ فِعْلٌ، لَا بُدَّ لَهُ من فَاعل، وخَبَرٌ لَا بُدَّ لَهُ من مُحَدَّث عَنهُ. وَالْفِعْل وَالْفَاعِل، كلاهُما تأْويلُهما الإِغْرَاءُ. وَمن زَعَمَ أَنَّ الحَجَّ والعُمْرَةَ والجِهَادَ فِي حديثِ عُمَرَ، حُكْمُهُنَّ النَّصْبُ، لمْ يُصِبْ، إِذ قَضَى بالخُلُوِّ عَن الْفَاعِل. وَقد حكى أَبو عُبَيْدٍ، عَن أَبي عُبَيْدَةَ، عَن أَعْرَابِيّ أَنَّه نَظَرَ إِلى ناقةِ نِضْوٍ لِرَجُل، فَقَالَ: كَذَبَ عَلَيْكَ البَزْرَ والنَّوَى. قَالَ أَبو عبيد: لم يُسْمَعِ النَّصْبُ مَعَ (كَذَب) فِي الإِغراءِ، إِلاّ فِي هاذا الْحَرْف، قَالَ أَبو بكر: وهاذا شاذٌّ من القَول، خارجٌ فِي النَّحْو عَن مِنْهَاج القِياس، مُلْحَقٌ بالشَّوَاذِّ الَّتي لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا، وَلَا يُؤْخَذُ بهَا؛ قَالَ الشّاعرُ:

(كَذَبَ العَتِيقُ)

إِلَى آخِره، مَعْنَاهُ: الْزَمي العتيقَ، وهاذا الماءَ، وَلَا تُطالِبِيني بِغَيْرِهِمَا. والعتيقُ: مرفوعٌ لَا غَيْرُ، انْتهى. وَقد نقل أَبو حَيّان هاذا الكلامَ فِي تذْكِرته. وَفِي شرح التَّسْهِيل، وَزَاد فِيهِ بأَنّ الّذي يَدُلُّ على رفع الأَسماءِ بعد (كَذَبَ) أَنَّه يتَّصل بهَا الضَّمير، كَمَا جاءَ فِي كلامِ عُمَرَ: ثلاثةُ أَسفارٍ، كَذَبْنَ عَلَيْكُم. وَقَالَ الشّاعرُ:

كَذَبْتُ عَلَيْكَ لَا تَزالُ تَقُوفُنِي

كَمَا قافَ آثَارَ الوَسِيقَةِ قائِفُ

مَعْنَاهُ: عليكَ بِي، وَهِي مُغْرًى بهَا واتَّصلت بِالْفِعْلِ، لاِءَنَّه لَو تأَخّر الفاعلُ لَكَانَ مُنْفَصِلا، وَلَيْسَ هاذا من مَوَاضِع انْفِصَاله. قلتُ: وهاذا قولُ الأَصمعيّ: كَمَا نَقله أَبو عُبَيْد، قَالَ: إِنّما أَغراه بنَفْسِه، أَي: عليكَ بِي، فَجعل نَفْسَهُ فِي مَوضِع رَفْعٍ، أَلا تراهُ قد جاءَ بالتَّاءِ، فجعَلَها اسْمَهُ. وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ الضَّرِيرُ فِي هاذا الشِّعر: أَي ظَنَنْتُ بك أَنّك لَا تنامُ عَن وِتْرِي، فكَذَبْتُ عَلَيْك. قَالَ شيخُنا، قلت: والصَّحيحُ جوازُ النَّصْبِ، لِنَقْلِ العُلَمَاءِ أَنَّه لُغَةُ مُضَرَ،