للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

نَقلاً عَن بَعضهم: سُبحَانَ اللَّهِ: إِمّا إِخْبارٌ قُصِدَ بِهِ إِظهارُ العُبُوديّة واعتقادُ التقدُّسِ والتّقديسِ، أَو إِنشاءُ نِسبةِ القُدْس إِليه تَعَالَى. فالفعل للنِّسبة، أَو لسَلْبِ النَّقائصِ، أَو أُقيم المَصْدَرُ مُقامَ الفِعْلِ للدّلالة على أَنّه الْمَطْلُوب، أَو للتَّحَاشِي عَن التَّجدُّد وإِظهار الدَّوَام. وَلذَا قيل: إِنّه للتَّنزيهِ البليغِ مَعَ قَطْعِ النَّظَر عَن التّأْكيد. وَفِي الْعَجَائِب للكَرْمانيّ: من الْغَرِيب مَا ذَكَرَه المُفصِّل: أَنّ سُبحَانَ: مَصْدرُ سَبَحَ، إِذا رفعَ صَوْتَه بالدُّعاءِ والذِّكْر وأَنشد:

قَبَحَ الإِلاهُ وُجُوهَ تَغْلِبَ كُلَّمَا

سَبَحَ الحَجيجُ وكَبَّرُوا إِهْلَالَا

قَالَ شيخُنا: قلت: قد أَوْرَده الجَلالُ فِي الإِتقان عَقِبَ قولِه: وَهُوَ، أَي سُبْحَانَ، ممّا أُمِيت فِعْلُه. وذكَر كلَامَ الكَرْمَانيّ متعجِّباً من إِثباتِ المفضّلِ لبناءِ الفِعْلِ مِنْهُ. وَهُوَ مشهورٌ أَوْرَده أَربابُ الأَفعال وغيرُهم، وَقَالُوا: هُوَ من سَبَحَ، مُخفَّفاً، كشَكَرَ شُكْرَاناً. وجَوَّز جَماعَةٌ أَن يكون فِعْلُه سَبَّحَ مشدَّداً، إِلاّ أَنّهُم صَرَّحوا بأَنّه بَعيدٌ عَن القياسِ، لأَنه لَا نَظِيرَ لَهُ، بخلافِ الأَوّلِ فإِنّه كثير وإِن كَانَ غيرَ مَقِيس. وأَشارُوا إِلى اشتقاقه من السَّبْح: العَوْمِ أَو السُّرْعةِ أَو البُعْد أَو غيرِ ذالك.

(و) من الْمجَاز: العَرَب تَقول: (سُبْحَانَ مِنْ كَذَا، تَعجُّبٌ مِنْهُ) . وَفِي (الصّحاح) بخطّ الجوهَرِيّ: إِذا تُعُجِّب مِنْهُ. وَفِي نُسخَة: إِذا تَعجَّبْت مِنْهُ. قَالَ الأَعشى:

أَقولُ لمّا جاءَني فخْرُه

سُبْحَانَ منْ عَلْقَمَة الفاخر

يَقُول: العَجَب مِنْهُ إِذ يَفْخَر. وإِنّمَا لم يُنوّن لأَنه معرفةٌ عِنْدهم، وَفِيه شِبْهُ التّأْنيث. وَقَالَ ابْن بَرِّيّ: إِنّمَا امْتنع صَرْفُه للتّعريف وزيادةِ الأَلفِ والنُّون، وتَعْرِيفُه كونُه اسْما عَلَماً للبَرَاءَة، كَمَا أَنّ نَزالِ اسمٌ عَلَمٌ للنُّزُولِ، وشَتَّانَ اسمٌ عَلَمٌ للتَّفرُّق.