للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كَرَمَى قَدَياناً، محرَّكة، إِذا أسْرع (وَصَاح) من الصِّياح، وَهُوَ رَفْعُ الصوتِ إِلَى الغَايَة (بالأنغام) جمع نَغَم محرّكة، وَهُوَ تَرجيع الغِناءِ وَتَرْدِيده (الْحَادِي) من حَدَا الْإِبِل، كدعا، يَحْدُوها، إِذا سَاقهَا وغَنَّى لَهَا ليحْصُل لَهَا نَشاطٌ وارتياح فِي السَّيْرِ، وَالْمرَاد بِهَذِهِ الجُمل طُولُ الْأَبَد الَّذِي لَا نِهاية لَهُ، لأنَّ الكَوْنَ لَا يَخْلُو عَن تَسجيع الْحمام، وتردُّد النعامِ، وسَوْق الْحَادِي إبِله بالأَنغام، ثمَّ إِن فِي مُقَابلَة ناح بساح وَصَاح، وَالْحمام بالنعام والأنغام، تَرصيعٌ بَدِيع ومُجانسة، وَفِي القوافي الدَّالِيَّة تسميط (ورشَفَت) مَصَّت (الطُّفاوةُ) بِالضَّمِّ دَارَة الشمسِ أَو الشَّمْس نفسُها، وَهُوَ الْمُنَاسب فِي الْمقَام، وَمِنْهُم من زَاد بعد دَارة الشمسِ وَدارة القَمر، وَمِنْهُم من اقْتصر على الْأَخير، وَكِلَاهُمَا تكلُّف، وَقيل بل الطُّفاوة أيَّام بَرْدِ العَجوز، وَقد نُسِب للْمُصَنف، وَلَا أَصْل لَهُ، أَو أَيَّام الرَّبيع، كَمَا للجوهريّ، وَهُوَ خطأٌ فِي النَّقْل، فَحِينَئِذٍ يكون إِسْنَاد الرَّشف لأيام الْعَجُوز بمناسبة أَن بُدوَّ الأزهار فِي أَوَاخِر الشتَاء، وَهِي تِلْكَ الْأَيَّام، وَهَذَا مَعَ صِحَة هَذِه الْمُنَاسبَة لَيْسَ خَالِيا عَن التَّكَلُّف، قَالَه شَيخنَا (رُضَاب) بالضمّ الرِّيق، المَرشوف، وَيُطلق على قِطَعِ الرِّيق فِي الفمٍ وفٌ تات المِسك وقِطَع الثَّلج والسُكَّر ولُعَاب العَسل ورغْوَتُه وَمَا تقطَّع من النَّدى على الشّجر، وَالْمرَاد هُنَا الْمَعْنى الأوّل، وزعمِ بَعضهم الْمَعْنى الْأَخير (الطَّلِّ) هُوَ الندَى أَو فَوْقه وَدون الْمَطَر، وَيُطلق على الْمَطَر الضَّعِيف، وَلَيْسَ بمرادٍ هُنَا، وَإِضَافَة الرُّضاب إِلَيْهِ من قَبِيل إِضَافَة المشبَّه بِهِ إِلَى المشبَّه، أَي الطل الَّذِي فِي الأزهار بَين الْأَشْجَار، كالرضاب فِي فَم الأحباب، كَقَوْلِه.

(والرِّيحُ تَعْبَثُ بالغُصُونِ وَقد جَرَى ... ذَهَبُ الأَصِيلِ عَلَى لُجَيْنِ الماءِ)

أَي مَاء كاللُّجَين، وَمن قَالَ إِن الْإِضَافَة بيانِيَّة فقد أَخطَأ، وَكَذَا من فسَّر الرضابَ بالسَّحِّ، والطلّ بأخفِّ المَطر، فَكَأَنَّهُ أجَاز إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه مَعَ فَسَاد الْمَعْنى، على أَن السحَّ إِنَّمَا هُوَ من مَعَاني الرَّاضِبة دون الرُّضاب،