للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والسفنُ الَّتِي تجْرِي فِيهِ لَا يحصل لَهَا انكفاءٌ وَلَا انقلابٌ، لِأَن رِيحه طيِّبة رِخْوَة، لَا تهبُّ إلاّ على: وَفْق السفن، فَلَا تخالفها، لعدم وجدان الزعازع والرياح الْعَاصِفَة فِي هَذَا الْبَحْر، وَفِيه الجناس اللَّاحِق، فِي اعتناء واعتلاء، والالتزام فِي جفَاء وانكفاء. واستعارة الرّكُوب وَالْغَارِب للفلك، وهبوب الرِّيَاح للعناية، والتلميح للاقتباس فِي ذهب جُفاء إِلَى قَول المتَنَبِّي.

(تَجْري الرِّياحُ بمَا لَا تَشْتَهي السُّفُنُ ... )

ثمَّ احتار وَبَالغ فِي هَيْبَة الْمُخَاطب وجلالته، كَأَنَّهُ لم يَتَّضِح لَهُ الطَّرِيق، وَلم يهتد لوجه الْعذر، فاستفهَم عَنهُ فَقَالَ (وَبِمَ) أَي بِأَيّ شيءٍ (أعتَذِرُ) أَرشدوني (مِن حَمْلِ الدُّرِّ مِن أَرْضِ الْجبَال) وَهِي الْمَعْرُوفَة الْيَوْم بعراق الْعَجم، وَهِي مَا بَين أصفهان إِلَى زنجان وقزوين وهمذان والدينور وقرميسين والري وَمَا بَين ذَلِك من الْبِلَاد والكُوَر (إِلَى عُمَان) كغُراب كُورة على سَاحل الْيمن، تشْتَمل على بلدان، أَي إِن الدرَّ كثيرٌ فِي عُمَان المعبّر بِهِ عَن الممدوح، وَقَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجبَال المعبَّر بِهِ عَن المُهدِي، وَهُوَ نَظِير قَوْلهم: كجالِب التَّمْر إِلَى هَجَر، قَالَ شَيخنَا: يَعْنِي أَن الهديّة شأْنُها أَن تكون أَمرًا غَرِيبا لَدَى المُهدَى إِلَيْهِ، وَمن يُهِدي الدرَّ إِلَى عُمان، وَالتَّمْر إِلَى يَثْرِب وَنَحْو ذَلِك، يَأْتِي بِالْأَمر المبتَذَل الْكثير الَّذِي لَا عِبْرَة بِهِ فِي ذَلِك الْموضع (وَأَرَى البحرَ) الْجُمْلَة حَالية (يَذهَبُ ماءُ وَجْهِهِ) أَي يضمحلّ، وَهُوَ كِنَايَة عَن التجرُّد عَن الْحيَاء، وقِدمًا قيل.

(وَلَا خَيْرَ فِي وَجْهٍ إذَا قَلَّ مَاؤُه ... )

(لَو حَملَ) هُوَ أَي الْبَحْر (بِرَسْمِ الخِدْمة) وَقصد الْعُبُودِيَّة (إِلَيْهِ) أَي الممدوح أشرف مَا يفتخر بِهِ وَهُوَ (الجُمَان) بِالضَّمِّ هُوَ اللُّؤْلُؤ الصافي، أَي كَانَ ذَلِك قَلِيلا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، لقلَّة حيائه وَذَهَاب رونق مَاء وَجهه (وفُؤاد البحرِ يَضطَرِبُ) أَي يتحرَّك ويَتموَّج ويَتلاطم (كاسْمِه رَجَّافاً) أَي بِاعْتِبَار