للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحاطة الشرع بالأحكام

وأجمع المسلمون على أن الله أعطى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم فيتكلم بالكلمة الجامعة العامة التي هي قضية كلية، وقاعدة عامة، تتناول أنواعا كثير، وتلك الأنواع تتناول أعيانا لا تحصى، وبهذا الوجه تكون النصوص المحيطة بأحكام أفعال العباد، ولا ينكر ذلك إلا من لا يفهم معاني النصوص العامة وشمولها قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وقال صلى الله عليه وسلم: «تركتم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك» .

قواعد تدور عليها الأحكام

وقال هو وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله تعالى: تدور الأحكام على قواعد. منها أن الله أكمل لنا الدين، فلا يحتاج إلى زيادة، وتقدم قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ومنها أن كل ما سكت عنه فهو عفو، لا يحل لأحد أن يحرمه أو يوجبه أو يستحبه أو يكرهه قال تعالى: {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} وقال - صلى الله عليه وسلم - «وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها» ومنها أن الله حرم القول عليه بلا علم، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} فجعل تعالى منزلة القول عليه بلا علم فوق منزلة الشرك، وقال عليه الصلاة والسلام «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» ، ومنها أن ترك الدليل الواضح والاستدلال بلفظ متشابه هو طريق أهل الزيغ، قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ} ، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم» فالواجب اتباع المحكم، فإن عرف معنى المتشابه وجده لا يخالف المحكم بل يوافقه، ومنها أن الحرام بين والحلال بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن لم يتفطن لهذه القاعدة، وأراد أن يتكلم في كل مسألة بكلام فاصل فقد ضل وأضل.

<<  <  ج: ص:  >  >>