للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن إن ادعى التلف بأَمر ظاهر، كحريق عام (١) ونهب جيش. كلف إقامة البينة عليه (٢) ثم يقبل قوله فيه (٣) . وإن وكله في شراء شيءٍ، واشتراه، واختلفا في قدر ثمنه، قبل قول الوكيل (٤) وإن اختلفا في رد العين، أَو ثمنها إلى الموكل، فقول وكيل متطوع (٥) وإن كان بجعل فقول موكل (٦) .


(١) كلف إقامة البينة على وجود الحريق، وهذا استدراك من قول الماتن: قبل قوله.
(٢) أي على نهب الجيش في تلك الناحية، لأن وجود الأمر الظاهر مما لا يخفى، فلا يتعذر إقامة البينة عليه، جزم به القاضي وغيره، وهو مذهب الشافعي وغيره.
(٣) أي في أن العين تلفت بذلك الأمر الظاهر، الذي أقام به بينة، لا على تلفها، لتعذر إقامة البينة عليه، كما لو تلفت بسبب خفي.
(٤) لأنه أمين، وأدرى بما عقد عليه.
(٥) أي متبرع، مع يمينه، لأن الوكيل المتطوع قبضها لنفع مالكها، فقبل قوله فيه، كالوصي، والمودع المتبرعين، ولأنه لو لم يقبل قولهم لامتنع الناس من قبول هذه الأمانة، فيلحق الناس الضرر، هذا المذهب.
(٦) لأن الوكيل قبضها لحظ نفسه، فلم يقبل قوله، كالمستعير، ولأن القول قول المنكر مع يمينه، لخبر «البينة على المدعي، واليمين على من أنكر» وما في معناه، وهذه قاعدة عظيمة، وكلمة جامعة، من جوامع الكلم، والوكيل قد أقر بوصول المال، ثم ادعى وصوله إلى صاحبه، وإذا أنكر الموكل، فالقول قوله بيمينه، لأن الأصل عدم الوصول، حتى تقوم البينة بذلك، وظاهر الخبر أنه لا فرق بين متطوع أو بجعل، قال ابن رجل: لو ادعى الأمين رد الأمانة على من ائتمنه، فالأكثرون على أن قوله مقبول، وقال الأوزاعي: لا يقبل قوله، لأنه مدع. وقال مالك، وأحمد في رواية: إن ثبت قبضه للأمانة ببينة، لم يقبل قوله في الرد بدون البينة، وقال: قد اختلف الفقهاء في هذا الباب على قولين «أحدهما» أن البينة على المدعي أبدا، واليمين على المدعى عليه أبدا، وهو قول أبي حنيفة، ووافقه طائفة من الفقهاء والمحدثين كالبخاري «الثاني» أنه يرجح جانب أقوى المتداعيين، وتجعل اليمين في جانبه، وهذا مذهب مالك، وذكر القاضي أبو يعلى في خلافه أنه مذهب أحمد. قال عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب: القول قول المالك، على الراجح عند متأخري الحنابلة، وكذا الوكيل بجعل، والذي نفهم من كلامهم صوابه، ولا نعلم شيئًا يرده من الكتاب والسنة، وذلك أن الدليل دل على أن القول قول المنكر بيمينه، والبنية على المدعي. قال: وهذا قاعدة عظيمة شملت المتطوع وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>