(٢) منها حديث جابر في قتلى أحد: أمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا، ولم يصل عليهم. رواه البخاري وغيره، ومنها حديث أنس في شهداء أحد: لم يغسلوا، ولم يصل عليهم، رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، قال الشافعي: جاءت الأخبار كأنها عيان، من وجوه متواترة، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى أحد، وتقدم عنه الحكمة في ذلك. قال الوزير: تركها مشروع، ولا يلائم علو مقام الشهيد أن يحضر فيه من هو دون منزلته، في مقام الشفيع فيه، والمتوسل له، ولأن الموطن موطن اشتغال بالحرب، فلا يشرع فيه ما يشغل عن الحرب، شغلاً لا يؤمن معه استظهار العدو. وقال ابن القيم: حديث جابر في ترك الصلاة عليهم صحيح صريح، والذي يظهر من أمر شهداء أحد أنه لم يصل عليهم عند الدفن، وذكر ما ورد في الصلاة عليهم، ثم قال: والصواب أنه مخير بين الصلاة عليهم وتركها، لمجيء الآثار بكل واحد من الأمرين. وأصح الأقوال أنهم لا يغسلون، ويخبر في الصلاة عليهم، وبهذا تتفق جميع الأحاديث، والشهيد بغير قتل، كالمبطون والمطعون والغريق ونحو ذلك مما تقدم يغسل ويصلى عليه بلا نزاع. وقال الشارح وغيره: لا نعلم فيه خلافًا إلا ما حكي عن الحسن في النفساء، وقد صلى عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول العامة ولأنه ليس بشهيد معركة، ولا ملحقًا به.