للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن مات وعليه صوم كفارة، أطعم عنه، كصوم متعة (١) ولا يقضى عنه ما وجب بأَصل الشرع، من صلاة وصوم (٢) .


(١) أي أطعم عنه لكل يوم مسكين، كما يطعم عنه فيما إذا مات وعليه صوم متعة حج، ولا يجزئ صوم كفارة عن ميت، وإن أوصى به، وفاقًا.
(٢) لأنه لا تدخله النيابة في الحياة، فكذا بعد الموت، وكذا الاعتكاف، ولا فدية، لعدم ورود ذلك، ونقل جميع الإجماع، والمراد إجماع الأكثر، والنسائي وغيره «لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصومن أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه» وعن ابن عمر نحوه، رواه عبد الرزاق، قال مالك: ولم أسمع عن أحد من الصحابة، ولا من التابعين أمر بصوم، أو صلاة عن أحد، ونقل الجماعة: لا تفعل عنه. وفاقًا، وأجمعوا على أن الصلاة المفروضة، من الفروض التي لا تصح فيها النيابة، بنفس، ولا مال، لأنها عبادة بدنية، محضة، لا يخلفها مال، ولا يجب بإفسادها، ونقل القاضي وغيره الإجماع على أنه لا يصلى عنه صلاة فائتة، وأنه لا يصام عن أحد في حياته.
وقال ابن القيم: يصام عنه النذر، دون الفرض الأصلي، وهذا مذهب أحمد وغيره، والمنصوص عن ابن عباس، وعائشة؛ ولا تعارض بين روايتهما ورأيهما، وبهذا يظهر اتفاق الروايات، وموافقة فتاوى الصحابة، وهو مقتضى الدليل والقياس، لأن النذر ليس واجبًا بأصل الشرع، وإنما أوجبه العبد على نفسه، فصار بمنزلة الدين، ولهذا شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالدين، وأما الصوم الذي فرضه الله عليه ابتداء، فهو أحد أركان الإسلام، فلا تدخله النيابة بحال، كما لا تدخل الصلاة والشهادتين، فإن المقصود منهما طاعة العبد بنفسه، وقيامه بحق العبودية التي خلق لها، وأمر بها، وهذا لا يؤديه عنه غيره، ولا يصلي عنه غيره، وهكذا من ترك الحج عمدًا، مع القدرة عليه حتى
مات، أو ترك الزكاة، فلم يخرجها حتى مات، فإن مقتضى الدليل، وقواعد الشرع إن فعلها عنه أحد بعد الموت، لا يبرئ ذمته، ولا تقبل منه، والحق أحق أن يتبع.
وقال الشيخ: يطعم عنه كل يوم مسكين، وبذلك أخذ أحمد وإسحاق، وغيرهما، وهذا مقتضى النظر، كما هو موجب الأثر، فإن النذر كان ثابتًا في الذمة، فيفعل عنه بعد الموت، وأما صوم رمضان، فإن الله لم يوجبه على عاجز عنه، بل أمر العاجز بالفدية، طعام مسكين، والقضاء إنما يجب على من قدر عليه، لا على من عجز عنه، فلا يحتاج أن يقضي أحد عن أحد، وأما الصوم وغيره من المنذورات، فيفعل عنه بلا خلاف، للأحاديث الصحيحة، والواجب بالشرع، أيسر من الواجب بالنذر. وقال: وأما الصلاة فلا يصلي أحد عن أحد، ولكن إذا صلى عن الميت أحد أبويه تطوعًا، وأهداه له، أو صام عنه تطوعًا، وأهداه له، نفعه ذلك. وقال في حديث «من مات وعليه صوم، صام عنه وليه» إنه إن تبرع بصوم عمن لا يطيقه، لكبر ونحوه، أو عن ميت، وهما معسران، يتوجه جوازه، لأنه أقرب إلى المماثلة من المال.

<<  <  ج: ص:  >  >>