للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ومن رأى وحده هلال رمضان، ورد قوله) لزم الصوم، وجميع أحكام الشهر، من طلاق وغيرة، معلق به (١) لعلمه أنه من رمضان (٢) .


(١) أي الطلاق ونحوه، وكعتق، وظهار معلق بهلال رمضان، يعني إذا لم ير الحاكم الصيام بشهادة واحد، ونحو ذلك.
(٢) وفاقًا، للعموم، وكعلم فاسق بنجاسة، فلزمه حكمه، وإنما جعل من شعبان في حق غيره ظاهرًا، لعدم علمهم، ويلزمه إمساكه لو أفطر فيه، والكفارة إن جامع فيه، وإذا لم يجب صومه، وجب عليه أداء الشهادة، وإن لم يسألها، هذا المذهب، ونقل حنبل: لا يلزمه الصوم. وروي عن الحسن وابن سيرين، لأنه محكوم أنه من شعبان، أشبه التاسع والعشرين، واختاره الشيخ وغيره، وقال: لا يلزمه الصوم، ولا الأحكام المعلقة بالهلال، من طلاق وغيره.
وقال: يصوم مع الناس، ويفطر مع الناس، وهذا أظهر الأقوال، لقوله صلى الله عليه وسلم «صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون» وقال: فسر بعض أهل العلم هذا الحديث، فقال: إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة، وعظم الناس، وأنه لو رأى هلال النحر وحده، لم يقف دون سائر الحاج، وأصل هذه المسألة أن الله علق أحكامًا شرعية، بمسمى الهلال والشهر، كالصوم والفطر والنحر، فقال {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} وقال {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} إلى قوله {شَهْرُ رَمَضَانَ} أنه أوجب شهر رمضان، وهذا متفق عليه بين المسلمين. وذكر تنازع الناس في الصوم، ثم قال: لكن النحر ما علمت أن أحدًا قال: من رآه يقف وحده، دون سائر الحاج. وذكر تنازعهم في الصوم وتناقضهم. ثم قال: وتناقض هذه الأقوال، يدل على أن الصحيح صنعه مثل في ذي الحجة، وحينئذ فشرط كونه هلالاً وشهرًا:
شهرته بين الناس، واستهلال الناس به، حتى لو رآه عشرة، ولم يشتهر ذلك عند عامة أهل البلد، لكون شهادتهم مردودة، أو لكونهم لم يشهدوا به، كان حكمهم حكم سائر المسلمين، فلذلك لا يصومون إلا مع المسلمين، فكما لا يقفون، ولا ينحرون، ولا يصلون العيد إلا من المسلمين، فكذلك لا يصومون إلا مع المسلمين، وهذا معنى قوله صومكم يوم تصومون ونحركم وأضحاكم الحديث. ولهذا قال أحمد: يصوم مع الإمام، وجماعة المسلمين، في الصحو والغيم. وقال: يد الله على الجماعة.
قال الشيخ: وعلى هذا تفترق أحكام الشهر، هل هو شهر في حق أهل البلد كلهم، أو ليس شهرًا في حقهم كلهم، يبين ذلك قوله تعالى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فإنما أمر بالصوم من شهد الشهر، والشهود لا يكون إلا لشهر اشتهر بين الناس، حتى يتصور شهوده والغيبة عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم «إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا» و «صوموا من الوضح، إلى الوضح» ونحو ذلك: خطاب للجماعة، لكن من كان في مكان ليس فيه غيره، إذا رآه صامه. فإنه ليس هناك غيره، وعلى هذا فلو أفطر، ثم تبين أنه رؤي في مكان آخر، وثبت نصف النهار، لم يجب عليه القضاء، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، فإنه إنما صار شهرًا في حقهم، من حين ظهر واشتهر، ومن حينئذ وجب الإمساك، كأهل عاشوراء، الذين أمروا بالصوم في أثناء اليوم، ولم يؤمروا بالقضاء على الصحيح. اهـ. ولا يلزم طلاقه وعتقه، المعلق بهلال رمضان، وغير ذلك من خصائص الرمضانية، واختاره وفاقًا لأبي حنيفة، وذكر ابن عبد البر: أنه قول أكثر العلماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>