للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاستطاعة شرط للوجوب، دون الإجزاء (١) فمن كملت له الشروط وجب عليه السعي (على الفور) (٢) ويأْثم إن أخره بلا عذر (٣) لقوله عليه السلام «تعجلوا إلى الحج – يعني الفريضة – فإن أَحدكم لا يدري ما يعرض له» رواه أحمد (٤) .


(١) فلو حج كبير، أو مريض، أو فقير أجزأ إجماعًا، وحج خلق من الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا شيء لهم، ولم يأمرهم بالإعادة.
(٢) أي فمن كملت له الشروط الخمسة، الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة، وجب عليه السعي للحج والعمرة على الفور، وهو الشروع في الامتثال عقب الأمر، من غير فصل، ولا يجوز له تأخيره، عند أحمد، وأبي حنيفة، وأكثر الشافعية، قال الشيخ: والحج على الفور، عند أكثر العلماء، وإذا خاف العنت من يقدر على الحج قدم النكاح، وحكي إجماعًا، وإلا قدم الحج.
(٣) لأن الأمر يقتضي الفورية، ولما ورد في التأخير من التأثيم، ومع العذر فلا تأثيم.
(٤) وله من حديث الفضل «من أراد الحج فليتعجل» وليست الإرادة هنا على التخيير، لانعقاد الإجماع على خلافه، بل كقوله: من أراد الصلاة فليتوضأ. وكقوله {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} وعن عبد الرحمن بن سابط يرفعه «من مات ولم يحج حجة الإسلام، لم يمنعه مرض حابس، أو سلطان جائر، أو حاجة ظاهرة، فليمت على أي حال، يهوديًا أو نصرانيًا» رواه سعيد، وله طرق توجب أن له أصلاً، وعن الحسن، عن عمر: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار، فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج، فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين. رواه البيهقي وغيره، ولأنه أحد مباني الإسلام، فلم يجز تأخيره إلى غير وقت معين، كبقية المباني، بل أولى.
وأما تأخيره صلى الله عليه وسلم، هو وأصحابه، بناء على أنه فرض سنة تسع، فيحتمل أنه كان في آخرها، أو لعدم استطاعته، أو حاجة خوف في حقه، منعه وأكثر أصحابه، أو لأن الله كره له الحج مع المشركين عراة، أو لاستدارة الزمان، أو غير ذلك، ومن جملة الأقوال أنه فرض سنة عشر، فلا تأخير، وقال ابن القيم: لما نزل عليه فرض الحج بادر، فإن فرضه تأخر إلى سنة تسع، أو عشر، عام تبوك. وإرداف الصديق بعلي ينادي بذلك مؤذن به، وهو قول جمهور المفسرين، ولم ير أحمد بالغزو قبل الحج بأسًا، قال الشيخ: هذا مع أن الحج واجب على الفور عنده، لكن تأخيره لمصلحة الجهاد، كتأخير الزكاة الواجبة، لانتظار قوم أصلح من غيرهم، أو تضرر أهل الزكاة، وتأخير الفوائت، للانتقال عن مكان الشيطان، وهذا أجود ما ذكروه إن كان وجب عليه متقدمًا، والتقديم أفضل إجماعًا، ولو حج في آخر عمره ليس عليه إثم بالإجماع، ولو مات ولم يحج مع القدرة أثم إجماعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>