للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا جاءته التعزية في كتاب ردها على الرسول لفظًا (١) (ويجوز البكاءُ على الميت) (٢) لقول أَنس: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تذرفان. وقال «إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا – وأَشار إلى لسانه – أَو يرحم» متفق عليه (٣) .


(١) فيقول: استجاب الله دعاءه، ورحمنا وإياه.
(٢) إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة، فإن أخبار النهي محمولة على بكاء معه ندب أو نياحة، أو أنه كثرة البكاء، والدوام عليه أيامًا كثيرة، فالبكاء المباح، والحزن الجائز هو ما كان بِدَمْع العين، ورقة القلب، من غير سخط لأمر الله، قال الشيخ: ولا بد من حمل الحديث على البكاء الذي معه ندب ونياحة، ونحو ذلك، وما هيج المصيبة، من وعظ، وإنشاد شعر، فمن النياحة، وأما البكاء فيستحب، رحمة للميت، وهو أكمل من الفرح، لقوله صلى الله عليه وسلم «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده» متفق عليه، ولأحمد وغيره مرفوعًا «مهما كان من العين والقلب فمن الله، ومن رحمته، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان» والاعتدال في الأحوال، هو المسلك الأقوم، فمن أصيب بمصيبة عظيمة، لا يفرط في الحزن، حتى يقع في المحذور، من اللّطْمِ والشق، ولا يفرط في التجلد، حتى يفضي إلى القسوة، والاستخفاف بقدر المصاب، قال الجوهري: البكاء يمد ويقصر، فإذا مددت أردت الصوت الذي يكون معه البكاء، وإذا قصرت أردت الدموع وخروجها.
(٣) أي يعذب إن قال بلسانه سوءًا، أو يرحم إن قال خيرًا، فمجرد البكاء بدمع العين، من غير زيادة عليه، لا يضر، وكذا مجرد الحزن، والحزن الهم،
وضده السرور، وجمعه أحزان، «وتذرفان» أي يجري دمعهما، وفيهما أنه عليه الصلاة والسلام رفع إليه ابن ابنته، ونفسه تقعقع، كأنها شن، يعني لها صوت وحشرجة، كصوت ما ألقي في قربة بالية، ففاضت عيناه: فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال «هذه رحمة، جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء» وقال «تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا» ولما قتل زيد وجعفر وابن رواحة، جلس صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الحزن، وكذلك حزن لما قتل القراء، وقال تعالى عن يعقوب عليه السلام {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ} والبث شدة الحزن، ولذلك كان أرضى الخلق عن الله في قضائه، وأعظمهم له حمدًا، فالبكاء على الميت على وجه الرَّحْمَةِ حسن مستحب، ولا ينافي الصبر، بل ولا الرضي، بخلاف البكاء عليه لفوات حظه منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>