للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل (١)

(ومن جامع في نهار رمضان) (٢) .


(١) فيما يتعلق بالجماع في نهار رمضان، وهو مفسد للصيام، بالكتاب، والسنة، والإجماع، لقوله تعالى {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} الآية فدلت على أن الصيام المأمور بإتمامه، ترك الوطء، والأكل، فإذا وجد فيه الجماع، لم يتم، فيكون باطلاً، وأما السنة فمشهورة، وكذا الإجماع في الجملة.
(٢) حضرا، في قبل أو دبر، فعليه القضاء والكفارة وفاقًا، وقال الشيخ: لا يقضي متعمد بلا عذر صومًا ولا صلاة، ولا يصح منه، وأنه ليس في الأدلة ما يخالف هذا، بل يوافقه. وضعف أمر المجامع بالقضاء، لعدول البخاري ومسلم عنه، وفي الصحيحين وغيرهما، عن أبي هريرة، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت. قال «وما أهلكك؟» قال: وقعت على امرأتي في رمضان. قال «هل تجد ما تعتق رقبة؟» قال: لا. قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال: لا، قال «فهل تجد ما تطعم ستين مسكينًا؟» قال: لا، ثم جلس فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، فقال «تصدق بهذا» فقال: أعلى أفقر منا؟، فما بين لأبتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، قال «اذهب فأطعمه أهلك» .
ولما ذكر الشيخ انقسام المفطرات بالنص والإجماع، قال: وأما الجماع فاعتبار أنه سبب إنزال المني، يجري مجرى الاستقاءة، والحيض، والاحتجام، فإنه من نوع الاستفراغ، ومن جهة أنه إحدى الشهوتين، فجرى مجرى الأكل والشرب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «يدع طعامه وشرابه من أجلي» فترك
الإنسان ما يشتهيه لله، هو عبادة مقصودة، يثاب عليها، والجماع من أعظم نعيم البدن، وسرور النفس، وانبساطها، وهو يحرك الشهوة والدم والبدن، أكثر من الأكل.
فإذا كان الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم، والغذاء يبسط الدم، فتنبسط نفسه إلى الشهوات، فهذا المعنى في الجماع أبلغ، فإنه يبسط إرادة النفس للشهوات؛ ويضعف إرادتها عن العبادة أعظم، بل الجماع هو غاية الشهوات، وشهوته أعظم من شهوة الطعام والشراب، ولهذا أوجب على المجامع كفارة الظهار، فوجب عليه العتق، أو ما يقوم مقامه، بالسنة والإجماع، لأن هذا أغلظ، ودواعيه أقوى، والمفسدة به أشد، فهذا أعظم الحكمتين في تحريم الجماع، وأما كونه يضعف البدن كالاستفراغ، فذاك حكمة أخرى، فصار فيها كالإستقاء والحيض، وهو في ذلك أبلغ منهما، فكان إفساده الصوم، أعظم من إفساد الأكل والحيض. وذكر عدل الشرع في العبادات، وأن الصائم نهي عن أخذ ما يقويه، وإخراج ما يضعفه، ولو مكن ضره، وكان متعديًا في عبادته لا عادلاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>