للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويصح أن يستنيب قادر وغيره، في نفل حج أَو بعضه (١) والنائب أَمين فيما يعطاه ليحج منه (٢) .


(١) كالصدقة، ولأنها لا تلزم القادر، ولا غير القادر بنفسه، فجاز أن يستنيب فيها، كالمعضوب، وعنه: لا يستنيب. قال في المبدع: ومحلها إذا أدى حجة الإسلام، وهو قادر على الاستنابة عليها بنفسه، أما لو كان قادرًا، ولم يؤد الفرض، لم يصح أن يستنيب في التطوع، لأنه ممنوع بنفسه، فنائبه أولى، ذكره الموفق والشارح.
(٢) فيركب وينفق بالمعروف، ويضمن ما زاد على ذلك، أو على نفقة طريق أبعد من الطريق القريب، إن لم يكن عذر، وفي الفروع وغيرها: يركب وينفق بالمعروف منه، أو مما اقترضه أو استدانه لعذر، ويرد ما فضل، إلا أن يؤذن له فيه، لأنه لا يملكه، وله صرف نقد بآخر لمصلحة، وشراء ماء لطهارته، وقال ابن قندس: من ضمن الحج بأجرة أو بجعل فلا شيء له، ويضمن ما تلف بلا تفريط، يعني إن لم يتفق له إتمامها، إما لكونه أحصر أو ضل، أو تلف ما أخذه، أو مات قبل تمام الحج، ولا شيء له. اهـ.
وكرهت الإجارة، لأن ذلك بدعة، لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا على عهد السلف، وقال صلى الله عليه وسلم لمن استؤجر بدراهم يغزو بها، «ليس لك من دنياك وآخرتك إلا هذا» وقال تعالى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} الآيات. والأجير يبيع عمله لمن استأجره، والحج: عَمَلٌ من شرطه أن يكون قربة لفاعله، فلا يجوز الاستئجار عليه، كغيره من القرب، وهذا لأن دخوله في عقد الإجارة، يخرجه عن أن يكون قربة، لأنه قد وقع مستحقًا للمستأجر،
وإنما كان من شرطه أن يقع قربه، لأن الله أوجب على العبد أن يعمل مناسكه كلها، وتعبده بذلك، فلو أنه عملها بعوض من الناس، لم يجزئه إجماعًا، كمن صام أو صلى بالكراء، فإذا عجز عن ذلك بنفسه، جعل الله عمل غيره، قائمًا مقام عمل نفسه، وسادًا مسده، رحمة منه تعالى ولطفًا، فلا بد أن يكون مثله، ليحصل به مقصوده، لأنه صلى الله عليه وسلم شبهه بالدين في الذمة، وإنما تبرأ ذمة المدين إذا قضي عنه الدين، من جنس ما عليه، فإذا كان هذا العامل إنما يعمل للدنيا، ولأجل العوض الذي أخذه، لم يكن حجه عبادة لله وحده، فلا يكون من جنس ما كان على الأول، وإنما تقع النيابة المحضة، ممن غرضه نفع أخيه المسلم، لرحم بينهما، أو صداقة، أو غير ذلك، وله قصد في أن يحج بيت الله الحرام، ويزور تلك المشاعر العظام، فيكون حجة لله، فيقام مقام حج المستنيب، والجعالة بمنزلة الإجارة، إلا أنها ليست لازمة، ولا يستحق الجعل حتى يعمل، والحج بالنفقة كرهه أحمد مرة، لأنه قد يكون قصده الإنفاق على نفسه مدة الحج، فلا يكون حجه لله، وإن كان شيئًا مقدرًا، مثل وصية ونحوها، فقد يكون قصده استفضال شيء لنفسه، فيبقى عاملاً لأجل الدنيا.

<<  <  ج: ص:  >  >>