للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

برا وبحرا (١) وهي يومان قاصدان (٢) .


(١) لعدم الفرق بينهما وفاقا، فمسافة البحر كالبر، ولو قطعها في ساعة، كما لو قطعها في البر في نصف يوم، ويأتي كلام الشيخ رحمه الله تعالى.
(٢) أي الستة عشر فرسخا مسيرة يومين قاصدين، أي معتدلين بسير الأثقال، ودبيب الأقدام، هينتي السير بلا تعب ولا بطء، فإن القصد الاعتدال بذلك، مع المعتاد من النزول والاستراحة ونحوها، وهذا مذهب مالك والشافعي، وقيل غير ذلك، وقال شيخ الإسلام، قال أبو محمد: لا أعلم لما ذهب إليه الأئمة وجها، لمخالفة السنة وظاهر القرآن، فإن ظاهر القرآن إباحة القصر لمن ضرب في الأرض، وهو كما قال، فإن التحديد بذلك ليس بثابت بنص ولا إجماع ولا قياس، ولا حجة لتحديده، بل الحجة مع من أباح القصر لكل مسافر، واستظهر جواز القصر لمن سافر يوما، وقال: والمسافر يريد أن يذهب إلى مقصوده ويعود إلى وطنه، وأقل ذلك مرحلة يذهب في نصفها، ويرجع في نصفها، وهذا هو البريد وقد حدوا بهذه المسافة الشهادة على الشهادة غير ذلك.
وقال الفرق بين السفر الطويل والقصير لا أصل له في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بل الأحكام التي علق الله بالسفر علقها مطلقا، وذكر الآيات في ذلك والآثار، ثم قال: فهذه النصوص وغيرها من نصوص الكتاب والسنة ليس فيها تفريق بين سفر طويل وسفر قصير، فمن فرق بين هذا وهذا فقد فرق بين ما جمع الله بينه، فرقا لا أصل له من كتاب الله ولا سنة رسوله، فالمرجع فيه إلى العرف، فما كان سفرا في عرف الناس فهو السفر، الذي علق به الشارع الحكم، وذكر مثل سفر أهل مكة إلى عرفة، وقال: أي فرق بين سفر أهل مكة إلى عرفة، وبين سفر سائر المسلمين إلى قدر ذلك من بلادهم، فإن هذه مسافة بريد، وهذا سفر ثبت فيه جواز القصر والجمع.
وقال: إن حد فتحديده ببريد أجود إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه، والمعلوم أن الإجماع لم ينعقد على خلافه، وهو اختيار طائفة من علماء أصحاب أحمد، كان بعضهم يقصر الصلاة في مسيرة بريد، وهذا هو الصواب الذي لا يجوز القول بخلافه، لمن تبين السنة وتدبرها، قال: والمحددون لهم طريقان: بعضهم يقول: لم أجد أحدا قال بأقل من ذلك، وقد علم من قال ذلك، وبعضهم يقول: هذا قول ابن عمر وابن عباس، ولا مخالف لهما، وهذا باطل فقد ثبت عنهما وغيرهما ما يخالف ذلك، وتحديد السفر بالمسافة لا أصل له في شرع ولا لغة ولا عرف ولا عقل، ولا يعرف عموم الناس مساحة الأرض، فلا يجعل ما يحتاج إليه عموم المسلمين معلقا بشيء لا يعرفونه والاعتبار بما هو سفر فمن سافر ما يسمى سفرا قصرا وإلا فلا.
وأدنى ما يسمى سفرا في كلام الشارع البريد، وكان يأتي قباء راكبا وماشيا، ويأتي إليه أصحابه ولم يقصر هو ولا هم، ويأتون إلى الجمعة من نحو ميل وفرسخ، والنداء يسمع من نحو فرسخ، وقصر أهل مكة بعرفة اهـ، وسمى النبي صلى الله عليه وسلم يوما وليلة سفرا، فقال في المرأة: «لا تسافر يومًا وليلة إلا مع ذي محرم» ، قال البغوي: وعامة الفقهاء يقولون مسيرة يوم تام، وكان ابن عمر يقصر في مسيرة يوم، وقال الأوزاعي وآخرون: يقصر في مسيرة يوم تام، وهو قول ابن المنذر وداود وغيرهما لإطلاق الكتاب والسنة، ولحديث يحيى ابن يزيد، سألت أنسا عن قصر الصلاة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين رواه مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>