للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأَن كل واحد من عائلته مقصود دفع حاجته (١) ويصدق من ادعى عيالاً، أَو فقرًا، ولم يعرف بغنى (٢) .


(١) فيعتبر له ما يعتبر للمنفرد.
(٢) لأن الظاهر صدقه، ولا يكلف يمينًا، ولا إقامة بينة، لأن ذلك لا يعلم إلا منه، ومن جهل حاله، وقال: لا كسب لي؛ ولو كان جلدًا، يخبره أنها لا تحل لغني، ولا لقوي مكتسب، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، ويعطيه بلا يمين وفاقًا، للخبر الصحيح، قال في الفروع: وإخباره بذلك يتوجه وجوبه، ولا يعطى أحد منهم مع غنى، لحديث قبيصة «لا تحل إلا لأحد ثلاثة» وتقدم، وحديث أبي سعيد «إلا لخمسة، العامل عليها، ومشتريها، والغارم، والغازي، ومسكين أهدى منها لغني» ، وفي رواية «وابن سبيل منقطع به» ، وإن كان غنيًا في بلده، وهذا مجمع عليه، ولقوله «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي» .
رواه أبو داود والترمذي، وهو مفهوم الآية، ولو ادعى الفقر من عرف بغنى، لم يقبل إلا ببينة، وعن أحمد: يعتبر ثلاثة، للخبر. وفي الإنصاف: من ادعى أنه مكاتب، أو غارم، أو ابن سبيل، لم يقبل إلا ببينة بلا نزاع، وإن ادعى أنه غارم لذات البين، أغنى عن إقامة البينة.
ويستحب التعفف، لما في الحديث «ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله» ، «لأن يأخذ أحدكم حبله، فيحتطب، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه» ولا يأخذ الغني صدقة، ولا يتعرض لها، فإن أخذها مظهرًا للفاقة حرم، وفي الصحيحين «ومن يأخذ مالاً بحقه يبارك له فيه، ومن يأخذ مالاً بغير حقه، فمثله مثل الذي يأكل ولا يشبع» وقال «إن هذا المال حلوة خضرة» شبهه – بالرغبة فيه، والميل إليه، وحرص النفوس عليه – بالفاكهة الخضراء المستلذة، فإن الأخضر والحلو مرغوب فيهما «فمن أخذه بغير شره ولا إلحاح» أي بغير سؤال «بورك
له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس، لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع» ويقبح السؤال مع الحاجة.
ومن له قدرة على الكسب، فصحح بعضهم أنه حرام، للأخبار، وكرهه بعضهم بشروط، إن لم يذل نفسه، ولا يلح في السؤال، ولا يؤذي المسئول، فإن فقد أحدها حرم اتفاقًا، ومن أبيح له أخذ شيء من زكاة، وصدقة، ونحوهما أبيح له سؤاله، لظاهر «للسائل حق، وإن جاء على فرس» وهذا مذهب مالك والشافعي، ولأنه يطلب حقه، ويحرم سؤال ما لا يباح أخذه، قال ابن حزم وغيره: اتفقوا على أن المسألة حرام على كل قوي على التكسب، أو غني، إلا من تحمل حمالة، أو من السلطان، أو ما لا بد له منه. اهـ. ولا بأس بمسألة شرب الماء ونحوه، والاستعارة، والاستقراض، وسؤال الشيء اليسر، صرح به أحمد وغيره، ومن أعطي من غير مسألة، ولا استشراف نفس، مما يجوز له أخذه، استحب له أخذه، فإن استشرف، بأن حدث نفسه: سيبعث إلى فلان؛ سيعطيني فلان. فلا بأس بالرد، واختار أحمد وغير واحد الرد، وقال النووي: الذي عليه الجمهور: يستحب القبول، في غير عطية السلطان، وصحح: إن غلب الحرام حرمت، وإلا أبيحت، إن لم يكن في القابض مانع.

<<  <  ج: ص:  >  >>