للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن من دفن بدار حرب لتعذر نقله، فالأَولى تسويته بالأَرض وإخفاؤُه (١) (ويكره تجصيصه) وتزويقه، وتخليقه، وهو بدعة (٢) .

(والبناء) عليه لاصقَةُ أَولا (٣) لقول جابر: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأَن يبنى عليه. رواه مسلم (٤) .


(١) لئلا ينبش فيمثل به، وقد أخفى الصحابة قبر دانيال خشية الافتنان به.
(٢) منكرة، أول من أحدثها الرافضة والجهمية، وبنوا عليها المساجد، وتجصيصه بنيه وتبيضه بالجص، وقيل بالجير، وتخليقه طَلْيه بالطيب، وكذا تبخيره وتقبيله، والتمسح به، والتبرك به، والعكوف عنده، والطواف به، وكتابة الرقاع إليه، ودسها في الأنقاب، والاستشفاء بالتربة، ونحو ذلك، كله من البدع المحدثة في الدين، فمنه ما هو من الوسائل المفضية إلى الشرك بأهل القبور، ومنه ما هو شرك أكبر، كتقبيله وما عطف عليه، وكسؤاله النفع والضر، وعبادة القبور أول شرك حدث على وجه الأرض.
(٣) أي سواء لاصق البناء الأرض أو لم يلاصقها، ولو في ملكه من قبة أو غيرها.
(٤) ورواه أبو داود والترمذي وغيرهما وصححه، وتقدم حديث علي وأمره عليه الصلاة والسلام بتسويته، وحديث فضالة، ولأبي داود بسند صحيح «أو يزاد عليه» ولابن ماجه عن أبي سعيد. نهى أن ينبى على القبور. فقد ثبت في الصحيح والسنن من غير وجه نهيه عليه الصلاة والسلام عن البناء على القبور، والأمر بهدمه، وقال الشافعي: رأيت العلماء بمكة يأمرون بهدم ما ينبى عليها. وفي شرح الرسالة: ومن البدع اتخاذ المساجد على مقبرة الصالحين، ووقد القنديل عليها، والتمسح بالقبر عند الزيارة، وهو من فعل النصارى، وكل ذلك ممنوع، بل محرم. اهـ.
وهو من وسائل الشرك وعلاماته وشعائره، فإن الله عز وجل بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بهدم الأوثان، ولو كانت على قبر رجل صالح، لأن اللات رجل صالح، فلما مات عكفوا على قبره، وبنوا عليه بنية، وعظموها، فلما أسلم أهل الطائف، أمر عليه الصلاة والسلام بهدمها فهدمت، وفيه أوضح دليل على أنه لا يجوز إبقاء شيء من هذه القبب التي بنيت على القبور، واتخذت أوثانًا، ولا لحظة، وإذا كانت تعبد فهي أوثان، كاللات والعزى، ومناة، بلا نزاع، بل تعظيم القبور، بالبناء عليها ونحوه، هو أصل شرك العالم، الذي أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، بالنهي عنه، والوعيد على فاعله بالخلود في النار، وكره أحمد الفِسْطاط والخيمة على القبر، وفي الصحيح أن ابن عمر رأى فسطاطًا على قبر عبد الرحمن، فقال: انزعه يا غلام، فإنما يظله عمله.
قال شيخ الإسلام في كسوة القبر بالثياب: اتفق الأئمة على أنه منكر إذا فعل بقبور الأنبياء والصالحين، فكيف بغيرهم. اهـ. والمراد كراهة التحريم، وهو مراد إطلاق أحمد رحمه الله الكراهة، في البناء عليه، لما تقدم من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، والأمر بهدمه، ولأنه من الغلو في القبور، الذي يصيرها أوثانًا تعبد، كما هو الواقع، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخذين عليها المساجد والسرج، وأخبر أن من بنى على قبور الصالحين فهو من شرار الخلق عند الله، ومن ظن أن الأصحاب أرادوا كراهة التنزيه، دون التحريم، فقد أبعد النجعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>