للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى البخاري في تأْريخه مرفوعًا «من أَشراط الساعة، أَن يروا الهلال، يقولون: هو ابن ليلتين» (١) (وإذا رآه أهل بلد) أي متى ثبتت رؤْيته ببلد (لزم الناس كلهم الصوم) (٢) .


(١) مرادهم بإيراده أنها تكبر الأهلة، وإن صح، فمن أجل ظنون المتأخرين، وتقدم قول عمر: إن الأهلة بعضها أكبر من بعض. ولا شك أن الله أجرى العادة بسير الشمس والقمر، وإن ثبت ما رواه البخاري، فقولهم راجع إلى كبره المعهود المتعارف، لا إلى تغير المنازل، فقد قال تعالى {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ*لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} وكبر الهلال، لتقدم سير الشمس عنه، فيظهر نورها عليه أكثر، قال الشيخ: وقول من يقول: إن رؤي الهلال صبيحة ثمان وعشرين، فالشهر تام، وإن لم ير فهو ناقص؛ هذا بناء على أن الاستسرار لا يكون إلا ليلتين، وليس بصحيح، بل قد يستسر ليلة تارة، وثلاث ليال أخرى.
(٢) لا خلاف في لزوم الصوم على من رآه، أو كان قريبًا منه، وقال الوزير: اتفقوا على أنه إذا رؤي بالليل، رؤية فاشية، فإنه يجب الصوم على أهل الدنيا. وظاهره: ولو اختلفت المطالع، وهو الصحيح من المذهب، والصواب أنه إنما يلزم من قرب مطلعهم، ولأصحاب أبي حنيفة قول، فيما يختلف فيه المطالع، حكاه الوزير، وقال الشافعي: إذا كانت البَلَدانِ متقاربتين. وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أن الرؤية لا تراعى مع البعد، كالأندلس من خراسان، وخولف، وصحح النووي وغيره اعتبار اختلاف المطالع، فإن اختلاف المنازل لا نزاع فيه، بحيث أنه يطلع في إحدى البلدتين دون الأخرى، بل كلما تحركت الشمس درجة فتلك طلوع فجر لقوم، وشمس لآخرين، وغروب لبعض، ونصف ليل لغيرهم، وقدر بمسيرة شهر فأكثر.
وذكر شيخ الإسلام أن المطالع تختلف، باتفاق أهل المعرفة بهذا، وقال: إن اتفقت لزم الصوم، وإلا فلا. اهـ. وقطع به غير واحد، وصححوه، وتأخر سير القمر عن الشمس، معلوم بالحس، فإنه يطلع خلفها، ويغرب بعدها، في أخر نصف كرة الأرض، فضلاً عن كلها، فرؤية أهل المغرب، لا تكون لأهل المشرق، بخلاف عكسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>