وقال: الشارع أطلق السفر، ولم يقيد، فما عد سفرًا جاز فيه القصر، والفطر، إذا ترك البيوت وراء ظهره، فإنه ما لم يتجاوزها، فهو حاضر، غير مسافر، فيدخل في قوله {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وقال: ويفطر من عادته السفر، إذا كان له بلد يأوي إليه، كالتاجر والجلاب، والمكاري، والبريد، ونحوهم، وكذلك الذي له مكان في البر يسكنه، وأما من كان في السفينة، ومعه أهله، وجميع مصالحه، ولا يزال مسافرًا، فلا يقصر ولا يفطر، وأهل البادية، الذي يشتون في مكان، ويصيفون في آخر، يفطرون في حال ظعنهم، لا في حال نزولهم، ويتتبعون المراعي. (٢) أي فليفطر، وليقض عدد ما أفطره {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وقال صلى الله عليه وسلم «ما خيرت بين أمرين، إلا اخترت أيسرهما» وفي الصحيحين «ليس من البر الصيام في السفر» ويذكر أنه متواتر، وفي المسند وغيره «إن الله يحب أن يؤخذ برخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته» وفي الحديث «خياركم الذين في السفر يقصرون ويفطرون» وفي الصحيح أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني رجل أكثر الصوم، أفأصوم في السفر؟ فقال «إن أفطرت فحسن، وإن صمت فلا بأس» وفي صحيح مسلم «هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم، فلا جناح عليه» ومن كمال حكمة الشارع، أن خفف أداء فرض الصوم في السفر، فإنه قطعة من العذاب، وهو في نفسه مشقة وجهد، ولو كان المسافر من أرفه الناس، فإنه فيه مشقة، وجهد بحسبه، واتفق أئمة المسلمين على أنه يجوز للمسافر أن يصوم ويفطر، واستحباب الفطر مقيد برمضان، لأن له {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فأما صيام عاشوراء، فنص أحمد على استحبابه، وهو قول طائفة من السلف، وقياسه يوم عرفة لغير حاج بها، وكل ما يفوت محله لعدم المانع.