(٢) وقال الشيخ: الأحاديث الواردة فيه كثيرة، قد بينها الأئمة الحفاظ. وقد كره غير واحد من الصحابة الحجامة للصائم، وكان أهل البصرة يغلقون حوانيت الحجامين، والقول بأنها تفطر، مذهب أكثر فقهاء الحديث، كأحمد وإسحاق، وابن خزيمة وابن المنذر، وأهل الحديث، الفقهاء فيه، العاملون به، أخص الناس باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وهو وفق الأصول والقياس؛ والذين لم يروه احتجوا بما في صحيح البخاري: أنه احتجم صلى الله عليه وسلم وهو صائم محرم. وأحمد وغيره: طعنوا في هذه الزيادة وهي قوله: وهو صائم. وقالوا: الثابت أنه احتجم وهو محرم. قال أحمد: «وهو صائم» ليس بصحيح. وأنكره يحيى بن سعيد، وقال أحمد: هو خطأ من قبل قبيصة. وقال أيضًا، عن حديث ابن عباس: ليس فيه «صائم» وقال رحمه الله: أصحاب ابن عباس، لا يذكرون «صائم» . قال الشيخ: وهذا الذي ذكره أحمد، هو الذي اتفق عليه الشيخان، ولهذا أعرض مسلم عنه، ولم يثبت إلا حجامة المحرم. قال: وأما الحاجم، فإنه يجتذب الهواء الذي في القارورة بامتصاصه، والهواء يجتذب ما فيها من الدم، فربما صعد مع الهواء شيء من الدم، ودخل في حلقه وهو لا يشعر، والحكمة إذا كانت خفية أو مستترة، علق الحكم بالمظنة، كالنائم تخرج منه الريح ولا يدري، يؤمر بالوضوء فكذلك الحاجم، يدخل شيء من الدم مع ريقه، إلى بطنه وهو لا يدري، والدم من أعظم المفطرات، فإنه حرام في نفسه، لما فيه من طغيان الشهوة، والخروج من العدل، والصائم مأمور بحسم مادته، والدم يزيد الدم، فهو من جنس المحظور، فيفطر الحاجم لهذا، وأما الشارط فليس بحاجم، وهذا المعنى منتف فيه، وكذلك لو قدر حاجم لا يمص القارورة، بل يمتص غيره، أو يأخذ الدم بطريق أخرى لم يفطر، والنبي صلى الله عليه وسلم خرج كلامه على الحاجم المعتاد المعروف.