(٢) وقال شيخ الإسلام: أئمة الإسلام متفقون على انتفاع الميت بدعاء الخلق له، وبما يعمل عنه من البر، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام، وقد دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، فمن خالف ذلك كان من أهل البدع. وذكر استغفار الملائكة والرسل والمسلمين للمؤمنين، وما تواتر من الصلاة على الميت، والدعاء له، وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن توفيت أمه، وقال: أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال «نعم» وتصدق لها ببستان، ومن توفيت ولم توص، وقال ابنها: هل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال «نعم» وقال لعمرو بن العاص «لو أقر أبوك بالتوحيد فصمت عنه، أو تصدقت عنه، نفعه ذلك» وذكر اتفاقهم على وصول الصدقة ونحوها، وتنازعهم في العبادات البدنية، كالصلاة والصوم والحج والقراءة، وذكر ما في الصحيحين من حديث عائشة «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» وعن ابن عباس وفيه «فصومي عن أمك» وحديث عَمْرو «إذا صاموا عن المسلم نفعه» ، وما ورد في الحج وغير ذلك، ثم قال: فهذا الذي ثبت بالكتاب والسنة والإجماع علم مفصل مبين، ولم يخالف هذه الأحاديث الصحيحة الصريحة من بلغته، وإنما خالفها من لم تبلغه. وأما الحي فيجزئ، عند عامتهم، ليس فيه إلا اختلافًا شاذًا، وما تقدم لا ينافي قوله {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} ولا قوله «إذا مات ابن آدم انقطع عمله» الخ، لأن ذلك ليس من عمله، والله تعالى يثيب هذا الساعي، وهذا العامل على سعيه وعمله، ويرحم هذا الميت يسعي هذا الحي، وعمله بسعي غيره، وليس من عمله، ولكن ذكر أن أفضل العبادات ما وافق هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهدي أصحابه، وقول ابن مسعود: من كان مستنًا فليستن بمن قد مات، أولئك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأن الذي كان معروفًا بين المسلمين، في القرون المفضلة، أنهم كانوا يعبدون الله بأنواع العبادات المشروعة، فرضها ونقلها، ويدعون للمؤمنين والمؤمنات، كما أمر الله بذلك، لأحيائهم وأمواتهم، في قيام الليل وغيره، وفي صلاتهم على الجنائز، وعند زيارة القبور، وغير ذلك من مواطن الإجابة، ولم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعًا، أو صاموا تطوعًا، أو حجوا أو قرؤا القرآن، يهدون ذلك لموتاهم المسلمين، بل كان من عادتهم الدعاء كما تقدم، فلا ينبغي للناس أن يعدلوا عن طريق السلف، فهو أفضل وأكمل.