للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم: لعن النائحة والمستمعة (١) .


(١) يقال: ناحت المرأة على الميت، إذا ندبته أي بكت عليه، وعددت محاسنه، وقيل: النوح بكاء وصراخ، والمراد بها التي تنوح على الميت، وعلى ما فاتها من متاع الدنيا، فإنه ممنوع منه، والمستمعة التي تقصد السماع، ويعجبها، ولمسلم من حديث أبي هريرة «اثنتان في الناس هما بهم كفر، الطعن في النسب، والنياحة على الميت» وقال «النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة، وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب» وفي الصحيحين عن أم عطية قالت: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت أن لا ننوح. ولهما عن عمر مرفوعًا «الميت يعذب في قبره بما نيح عليه» وتواترت الأحاديث بتعذيب الميت بالنياحة عليه، والبكاء عليه، فيتألم من ذلك، ولا يقال أنه يعاقب بذنب الحي.
قال شيخ الإسلام:..... يتأذى بالبكاء عليه، كما نطقت به الأحاديث الصحيحة، من «أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه» وفي لفظ «من ينح عليه، يعذب بما نيح عليه» وأنكرت ذلك طوائف من السلف والخلف، واعتقدوا أنه من باب تعذيب، الإنسان بذنب غيره، وتنوعت طرقهم في ذلك، بما لا يرد بمثله تلك الأحاديث الصحيحة، والشارع قال «يعذب» ولم يقل: يعاقب، والعذاب أعم من العقاب، فإن العذاب هو الألم، وليس كل من يتألم بسبب، كان ذلك عقابًا له على ذلك السبب، وذكر الشارع «أن السفر قطعة من العذاب» والإنسان يعذب بالأمور المكروهة، التي يشعر بها، مثل الأصوات الهائلة، والأرواح الخبيثة، والصور القبيحة، فهو يتعذب بذلك، ولم يكن عملاً له عوقب عليه، فكذا الإنسان في قبره، يعذب بكلام بعض الناس، ويتألم برؤية بعضهم، وبسماع كلامه، فيتألم إذا عملت عنده المعاصي، كما جاءت به الآثار، كتعذيبهم بنياحة من ينوح عليهم، ثم النياحة سبب العذاب، وقد يندفع حكم السبب بما يمانعه. اهـ.
وينبغي أن يوصي بترك النياحة عليه، حيث كان من عادة أهله، لأنه متى غلب على ظنه فعلهم لها، ولم يوص بتركها مع القدرة، فقد رضي بها، صححه المجد وغيره، فيكون كتارك المنكر مع القدرة، وتقدم أنه لا بأس بتعريف أصدقائه ونحوهم بموته.

<<  <  ج: ص:  >  >>