وذكر أن من مات لا وارث له، ففي المصالح، ثم قال: فإن ما لم يعلم بحال، أو لا يقدر عليه بحال، هو في حقنا كالمعدوم، فلا نكلف إلا بما نعلمه ونقدر عليه، وهذا النوع ونحوه، إنما حرم لتعلق حق الغير به، فإذا كان الغير معدومًا، أو مجهولاً بالكلية، أو معجوزًا عنه بالكلية سقط حق تعلقه به مطلقا، والإعدام ظاهر، والإعجاز مثل الأموال التي قبضها الملوك، كالمكوس وغيرها من أصحابها، فهذان قياسان قطعيان من السنة، والدليل الثاني، القياس، وهو إما أن تحبس إلى أن تتلف، وإتلافها حرام، وحبسها أشد فتعين إنفاقها. وليس لها مصرف معين، فتصرف في جميع جهات البر، والثواب الذي يتقرب به إلى الله، فتصرف في سبيل الله. قال: والغنيمة والخراج لمصالح المملكة، فيفتقر إلى اجتهاد الإمام، لعدم تعيين مصرفه، ولأن به يجتمع الجند على باب السلطان، فينفذ أحكام الشرع، ويحمي البيضة، ويمنع القوي من ظلم الضعيف، ويوصل كل ذي حق حقه، فلو فرقه غيره تفرقوا عنه، وزالت حشمته وهيبته وطمع فيه، فجر ذلك إلى الفساد، قال: وبيت المال ملك للمسلمين، يضمنه متلفه، ويحرم الأخذ منه إلا بإذن الإمام، ولا يجوز الصدقة به، ويسلمه إلى الإمام. قال: ولا تتم رعاية الخلق إلا بالحق الذي هو العطاء، والنجدة التي هي الشجاعة، بل لا يصلح الدين والدنيا إلا بذلك، ولذلك من لم يقم بها سلب الأمر ونقل إلى غيره، وذكر آيات في الإنفاق والشجاعة، ثم قال: فعلق الأمر بالإنفاق الذي هو السخاء، والقتال الذي هو الشجاعة،، وأن هذا مما اتفق عليه أهل الأرض. وذكر أنه افترق الناس أربع فرق، فريق صاروا نهابين، وهابين، وفريق عندهم خوف ودين، يمنعهم عما يعتقدونه قبيحًا، لكن لا يعتقدون أن السياسة لا تتم بما يفعله أولئك من الحرام، فينهون أحيانا عن ترك واجب يكون النهي عنه من الصد عن سبيل الله، فيقاتلون المسلمين كما فعلت الخوارج، والفريق الثالث الأمة الوسط، دين محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه، وهو إنفاق المال في المنافع للناس، فإن كانوا رؤساء فبحسب الحاجة إلى صلاح الأحوال، وإقامة الدنيا والدين ولا يأخذون ما لا يستحقونه، فيجمعون بين التقوى والإحسان، ولا تتم السياسة الدينية إلا بهذا، والفريق الرابع يأخذ ولا يعطي غيره، فلا يصلح به دين ولا دنيا.