للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لحديث ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم: «نهى عن الشغار، والشغار أن يزوج الرجل ابنته، على أن يزوجه الآخر ابنته، وليس بينهما صداق» متفق عليه (١) .


(١) ولمسلم عنه «لا شغار في الإسلام» وللترمذي – وصححه – عن عمران بن حصين نحوه، وأحمد من حديث أبي هريرة، وله أن العباس بن عبد الله أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته، وأنكحه عبد الرحمن ابنته، فكتب معاوية إلى مروان، ففرق بينهما، وقال معاوية: هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والتحريم ليس مختصا بالبنات، فقد أجمع العلماء على أن غير البنات من الأخوات، وبنات الأخ، وغيرهن، كالبنات، كما حكاه النووي وغيره.
قال الشيخ: وعلته إشغاره عن المهر، فلما اشترطا إشغار النكاحين عن المهر بطلا، وذكر الأخبار وأقوال الناس، ثم قال: وفصل الخطاب أن الله حرم نكاح الشغار، لأن الولي يجب عليه أن يزوج موليته إذا خطبها كفؤ، ونظره لها نظر مصلحة، لا نظر شهوة، والصداق حق لها لا له، وليس للولي ولا للأب أن يزوجها إلا لمصلحتها، وليس له أن يزوجها لغرضه، لا لمصحتها، وبمثل هذا تسقط ولايته، ومتى كان غرضه أن يعاوض فرجها بفرج الأخرى لم ينظر في مصلحتها، وصار كمن زوجها على مال له، وكلاهما لا يجوز.
وعلى هذا فلو سمى صداقًا حيلة، والمقصود المشاغرة لم يجز، كما نص عليه أحمد، لأن مقصوده أن يزوجها بتزوجه بالأخرى، والشرع بين أنه لا يقع هذا
إلا لغرض الولي، لا لمصلحة المرأة، سواء سمي مع ذلك صداق أو لم يسم، كما قاله معاوية وغيره، وأحمد جوزه مع الصداق المقصود دون الحيلة، مراعاة لمصلحة المرأة في الصداق، وقد يصدق صداق المثل، لكن الولي إنما رغب في الخاطب لغرضه لا لمصلحتها، وقد يكون هناك خاطب أصلح منه.
قال: والظاهر أن هذا وإن لم يسم شغارا فهو في معناه، من جهة أن الولي زوجها لغرض يصلح له من الزوج، كما يحصل له إذا زوجه موليته، وذكر أن لها حقين، حقا في مال الزوج وهو الصداق، فإذا أسقط هذا بالشغار صار حراما باطلا، وحقا في بدن الزوج، وهو كفاءته، فلو زوجها الولي بغير كفء لغرض له لم يجز ذلك، وإن أذنت له، لجهلها بحقيقة الأمر، فوجود هذا الإذن كعدمه، ولأنه جعل كل واحد من العقدين سلفا في الآخر، فصار فساده أنه وقفه على شرط فاسد، ولأنه شرط تمليك البضع لغير الزوج، فإنه جعل تزويجه إياها مهرا للأخرى، فكأنه ملكه إياها بشرط انتزاعها منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>