للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ناهضًا على صدور قدميه) (١) ، ولا يجلس للاستراحة (٢) (معتمدا على ركبتيه إن سهل) (٣) .


(١) أي قائما على مقدمهما، وأطلق صدور على صدرين لاستثقال الجمع بين تثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة، وفي المطلع: جيء به بلفظ الجمع لأن كل مثنى معنى مضاف إلى متضمنه، يختار فيه لفظ الجمع على لفظ الإفراد، ولفظ الإفراد على لفظ التثنية، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ينهض في الصلاة على صدور قدميه، قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم، وروى ابن أبي شيبة وغيره من غير وجه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهضون في الصلاة على صدور أقدامهم.
(٢) أي لا يسن أن يجلس جلسة الاستراحة بفتح الجيم لأنه مرة من الجلوس، ويجوز كسر الجيم، بتقدير إرادة الهيئة، لأن فيها قدرا زائدا على الجلسة، وذلك هو الهيئة والاستراحة: هي طلب الراحة، كأنه صار له إعياء فيجلس ليزول عنه، وهي جلسة خفيفة صفتها كالجلوس بين السجدتين، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعلها، ولكن لم يذكرها كل واصف لصلاته، ومجرد فعلها لا يدل على أنها من سنن الصلاة، وإذا قدر أنه فعلها لحاجة، لم يدل على سنيتها، إلا إذا علم أنه فعلها ليقتدي به فيها، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، قال أحمد: أكثر الأحاديث على هذا، قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم، وقيل: يجلس، لفعله عليه الصلاة والسلام ويحمل أنه في آخر عمره عند كبره، جمعًا بين الأخبار، واختاره الشيخ وغيره.
(٣) أي معتمدًا بيديه على ركبتيه، قال القاضي: لا يختلف قوله في ذلك، إن سهل عليه ذلك، ولا يعتمد على الأرض بيديه، لحديث وائل: «وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه» ، ولأبي داود: «نهى أن يعتمد على يديه إذا نهض في الصلاة» ، وقال علي: من السنة ألا يعتمد بيديه على الأرض إلا أن يكون شيخًا كبيرًا
لا يستطيع، وعن أحمد: يستحب أن يقوم معتمدًا على يديه، وفاقًا لمالك والشافعي، لما في الصحيح من حديث مالك بن الحويرث، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية جلس، واعتمد على الأرض، ثم قام، ولأنه أعون للمصلي، وقال النووي وغيره: وأحاديثهم ليس فيها شيء صحيح إلا الأثر الموقوف على ابن مسعود، أنه يقوم على صدور قدميه انتهى، لكن قول الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم يقتضي قوة أصله وإن ضعف، خصوصا هذا الطريق، وهو كذلك، فأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه كان ينهض في الصلاة على صدور قدميه، ولم يجلس، ونحوه عن علي وابن عمر وابن الزبير وغيرهم، وأخرج عن الشعبي قال: كان عمر وعلي وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينهضون في الصلاة على صدور أقدامهم، وعن النعمان بن أبي عياش: أدركت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهض كما هو ولا يجلس، وأخرجه عبد الرزاق عن ابن مسعود، وابن عباس وابن عمر، وكذا البيهقي وغيره، فقد اتفق أكابر الصحابة الذين كانوا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشد اقتفاء لأثره، وألزم لصحبته من مالك، على خلاف ما قال، فوجب تقديمه، وتقدم النهي عنه، وما رواه مالك يحمل على حالة الكبر، وبه تجتمع الأدلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>