للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا (١) ، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس (٢) ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب، إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرِّق عليهم بيوتهم بالنار (٣) » .


(١) أي لو يعلمون ما فيهما من مزيد الفضل، لأتوا المحل الذي يصليان فيه جماعة ولو زحفا، إذا منعهم مانع من المشي، ولابن أبي شيبة على الموافق والراكب.
(٢) وفي الصحيحين «والذي نفسي بيده لقد هممت» ، والهم العزم أن آمر من الأمر ضد النهي بالصلاة فتقام، من الإقامة وهو الكلمات المخصوصة.
(٣) انطلق أي أذهب، وحزم بضم الحاء، وروي كسرها جمع حزمة أي حملة من أعواد الحطب لا يشهدون أي لا يحضرون، وأحرق بتشديد الراء، وروي تخفيفها، لغتان فبين في هذا الحديث أنه إنما منعه من تحريق المتخلفين عن الجماعة من في البيوت من النساء والذراري الذين لا تجب عليهم الجماعة ولابن ماجه «لينتهين رجال عن تركهم الجماعات، أو لأحرقن بيوتهم» قال الحافظ: هذا الحديث ظاهر في كونها فرض عين، لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق، ولو كانت فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه، وكون الشيء واجبا لا ينافي كونه فضيلة وفي صحيح مسلم أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأله أن يرخص له أن يصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه فقال: «هل تسمع النداء؟» قال: نعم، قال: «فأجب» .
قال شيخ الإسلام وهذا نص في إيجاب الجماعة، ولقوله: «فليؤمكما أكبركما» ، ولمسلم «إذا كانوا ثلاثة، فليؤمهم أحدهم» . وهو أمر ظاهر الوجوب وقوله «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» واضح وقد وثقه عبد الحق وغيره. وفي السنن
«من سمع النداء ثم لم يجب من غير عذر، فلا صلاة له» قال الشيخ: هذا يقتضي أن
النداء والصلاة في جماعة من الواجبات وقال صلى الله عليه وسلم «لا صلاة لفرد خلف الصف» .
قال ابن القيم: فكيف بمن كان فردا في الجماعة والصفوف، ولمسلم وغيره عن ابن مسعود قال: من سره أن يلقي الله غدا مسلما، فليصل هذه الصلوات الخمس حيث ينادى بهن فإنَّ الله شرع لنبيه سنن الهدى وإنَّ هذه الصلوات الخمس في المساجد التي ينادي بهن، من سنن الهدي، وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما صلى هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق، معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين، حتى يقام في الصف، وهذا دليل على استقرار، وجوبها عند المؤمنين، ولم يعلموا ذلك إلا من جهة النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن كل أمر لا يتخلف عنه إلا منافق، يكون واجبا على الأعيان.
قال الشيخ: وهو المشهور عن أحمد وغيره، من أئمة السلف، وفقهاء الحديث، وغيرهم بل وإجماع الصحابة، ولأحمد وغيره مرفوعا «الجفا كل الجفا، والكفر والنفاق، من سمع منادي الله ينادي إلى الصلاة فلا يجيبه» وثبت حديث «يد الله على الجماعة، فمن شذ شذ في النار» ، وسئل ابن عباس عن رجل يقوم الليل، ويصوم النهار، ولا يحضر الجماعة، فقال: هو في النار، وهذا له حكم الرفع، قال الشيخ: وقد اتبع الإمام أحمد ما دل عليه الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، من وجوب الجماعة مع عدم العذر، وسقوطها بالعذر.

<<  <  ج: ص:  >  >>