للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا في جمعة وعيد تعذرًا خلف غيره (١) لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تؤمن امرأة رجلا، ولا أعرابي مهاجر، ولا فاجر مؤمنا، إلا أن يقهره بسلطان يخاف سوطه» رواه ابن ماجه عن جابر (٢) .


(١) أي الفاسق: بأن يعدم أخرى خلف عدل للضرورة، قال الشيخ: عند عامة السلف والخلف، وهو مذهب أحمد والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم، ولهذا قالوا في العقائد: تصح الجمعة والعيد خلف كل إمام، برا كان أو فاجرا، وذكر أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح، وتعطيل المفاسد، وأن تفويت الجمعة والجماعة أعظم فسادا من الاقتداء فيها بإمام فاجر، ثم قال: ولهذا كان التاركون للجمعة والجماعة خلف أئمة الجور مطلقا معدودين عند السلف والأئمة من أهل البدع.
(٢) يعني مهاجرًا من البادية إلى الحاضرة، والأعرابي نسبة إلى الأعراب، لا واحد له من لفظه، ولا جمعا لعرب، وهو من يسكن البادية، عربيا كان أو عجميا، و (فجر) عدل عن الحق و (فسق) خرج عنه، قال شيخ الإسلام عند بعضهم نهي تحريم، وبعضهم نهي تنزيه والصلاة خلفه منهي عنها، بإجماع المسلمين
ولا يجوز تقديمه مع القدرة على ذلك، وقال الماوردي، يحرم على الإمام
نصب الفاسق إماما للصلوات لأنه مأمور بمراعاة المصالح، وليس منها أن يوقع
الناس في صلاة مكروهة، فلو صلى خلف من يعلم أنه فاسق أو مبتدع، ففي صحة صلاته قولان مشهوران، في مذهب أحمد ومالك، ومذهب الشافعي وأبي حنيفة الصحة، وصلى ابن مسعود وغيره من الصحابة خلف الوليد، وكان يشرب الخمر، وصلى مرة الفجر أربعًا، وصلى ابن عمر وغيره خلف المختار، وكان متهما بالإلحاد داعية إلى الضلال، وأجمعوا عليه هم وتابعوهم، لأن أئمة الصلاة في تلك الأعصار في كل بلدة هم الأمراء، وحالهم لا تخفي.
قال: والأصل أن من صحت صلاته صحت إمامته، وصلاة الفاسق صحيحة بلا نزاع، ولا خلاف في كراهتها، وأخرج البخاري في تأريخه عن عبد الكريم أنه قال: أدركت عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يصلون خلف أئمة الجور، وفي صحيح مسلم وغيره، من غير وجه: «كيف أنت إذا كان عليك أمراء، يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتونها عن وقتها؟» ، قال: فما تأمرني؟ قال صلى الله عليه وسلم «صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة» فقد أذن بالصلاة خلفهم وجعلها نافلة، لأنهم أخرجوهم عن وقتها وظاهره أنهم لو صلوها في وقتها، لكان مأمورًا بصلاتها خلفهم فريضة، لما في الصحيح وغيره، قال: «أئمتكم يصلون لكم ولهم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم» وكذا عموم أحاديث الجماعة، من غير فرق، وفي الصحيح وغيره أحاديث كثيرة، تدل على صحة الصلاة خلف الفساق والأئمة الجائرين.
قال النووي وغيره: وهو مذهب جمهور العلماء، وإذا لم يكن في القرية إلا إمام واحد أو لم يمكنه إلا خلف هذا الفاسق، فقال شيخ الإسلام: تصلي خلفه الجماعة فإن الصلاة في جماعة خير من صلاة الرجل وحده، وإن كان الإمام فاسقا، هذا مذهب جماهير العلماء أحمد والشافعي وغيرهما بل الجماعة واجبة على الأعيان، في ظاهر مذهب أحمد ومن ترك الجمعة أو الجماعة خلف الإمام
الفاجر فهو مبتدع عند الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة، والصحيح أنه يصليها ولا يعيدها، فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار، ولا يعديون، وذكر قول عثمان: إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسنوا فأحسن معهم، وإذا ساءا فاجتنب إساءتهم، ومثل هذا كثير، والمبتدع صلاته في نفس صحيحة، فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته، وإنما كره من كره الصلاة خلفه، لأن الأمر والنهي واجب، ومن ذلك أن من أظهر بدعة أو فجورًا لا يرتب إمامًا للمسلمين، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب.
والتحقيق: أن الصلاة خلف أهل الأهواء والفجور لا ينهى عنها لبطلان صلاتهم في نفسها، لكن لأنهم إذا أظهروا المنكر استحقوا أن يهجروا وأن لا يقدموا في الصلاة على المسلمين اهـ وتصح خلف إمام لا يعرفه لأن الأصل في المسلمين السلامة قال شيخ الإسلام: ويجوز للرجل أن يصلي الصلوات الخمس والجمعة وغير ذلك خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقا، باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم، وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه، ولا أن يمتحنه فيقول: ماذا تعتقده؟ بل يصلي خلف مستور الحال.

<<  <  ج: ص:  >  >>