للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن طلق زوجته ثلاثا بكلمة واحدة، وقع الثلاث (١)


(١) أو بكلمات، في طهر لم يصبها فيه، أو في أطهار قبل رجعة، وقعت الثلاث، وهو مذهب الأئمة الأربعة، وجماهير العلماء، على أن الثلاث تقع ثلاثا وحكى ابن رشد: إجماع علماء الأمصار على أن الطلاق بلفظ الثلاث، حكمه حكم الطلقة الثالثة، وثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس، أنه قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر: طلاق الثلاث واحدة.
ولأحمد وغيره عن ابن عباس: طلق ركانة امرأته ثلاثا، فقال صلى الله عليه وسلم «راجع امرأتك» فقال، إني طلقتها ثلاثا. قال «قد علمت، راجعها» وهو مروي عن علي، وابن مسعود، وغيرهما، وأصحاب ابن عباس، وبعض أصحاب مالك، وأبي حنيفة، وأحمد، واختاره الشيخ وغيره، قال ابن عباس رضي الله عنه: فقال عمر – بعد ما مضى صدر من خلافته -: إن الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناءة، فلو أمضيناه عليهم. أي ألزمناهم الثلاث، إذا صار الغالب عليهم قصدها، فأمضاه عليهم، أي ألزمهم الثلاث.
قال ابن القيم: وعمر رضي الله عنه لم يخالف ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ما كان في عصر الخليفة الراشد، ولا ما في صدر في أول عصره، بل رأى رضي الله عنه إلزامهم بالثلاث عقوبة لهم، وتابعه على ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيدوا رأيه، لما علموا أن إرسال الثلاث حرام، وتتابعوا فيه؛ قال: ولا ريب أن هذا سائغ للأئمة أن يلزموا الناس ما ضيقوا به على أنفسهم، ولم يقبلوا فيه رخصة الله عز وجل، وتسهيله، بل اختاروا الشدة والعسر، فكيف بأمير المؤمنين، وكمال نظره للأمة، وتأديبه لهم.
ولكن العقوبة تختلف باختلاف الأزمنة، والأشخاص، والتمكن من العلم بتحريم الفعل المعاقب عليه وخفائه، وعمر لم يقل: إن هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإنما هو رأي رآه مصلحة للأمة، يكفهم بها عن التسارع إلى إيقاع الثلاث؛ قال: وهذا موافق لقواعد الشريعة، بل هو موافق لحكمة الله في خلقه قدرا وشرعا؛ قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: يكفيك ما أفتى به المحدث الملهم، ثاني الخلفاء الراشدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>