(٢) وظاهره ولا تكره سنته لما تقدم، ولو رجعوا إليه قبل النوم أو لم يؤخروه إلى نصف الليل. (٣) لئلا يشق عليهم، قاله القاضي وغيره، وقال أحمد: يقرأ بالقوم في شهر رمضان ما يخفف عليهم ولا يشق، سيما في الليالي القصار، وفي الغنية، لا يزيد على ختمة، لئلا يشق فيتركوا بسببه، فيعظم إثمه، وقيل: يعتبر حالهم، وتقدم قول الشيخ: أن الأفضل في حق من لا ينشط التخفيف. (٤) فيستحب إجماعًا. (٥) أي الختمة فيسمع المصلون معه جميع القرآن، قال شيخ الإسلام قراءة القرآن في التراويح سنة، باتفاق أئمة المسلمين، بل من جُل مقصود التراويح قراءة القرآن فيها، ليسمع المسلمون كلام الله، فإن شهر رمضان فيه أنزل القرآن، وفيه كان جبرئيل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، وكان صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجودما يكون في رمضان، حين يلقاه جبرئيل فيدارسه القرآن. ويتحرى أن يختم آخر التراويح قبل ركوعه، ويستحب أن يدعو، نص عليه، واحتج بأنه رأى أهل الشام وسفيان بن عيينة يفعلونه، ونقل عن أهل البصرة ونقل فعله عن عثمان وغيره من الصحابة، ولا بأس برفع الأيدي فيه واستحبه كثير من العلماء ولشيخ الإسلام دعاء عند ختم القرآن جامع شامل، قال: وروي أن عند كل ختمة دعوة مستجابة، فإذا دعا عقب الختمة لنفسه ولوالديه ولمشايخه وغيرهم من المؤمنين والمؤمنات كان مشروعا اهـ وينبغي لمن يؤخر بعض التراويح في العشر الأخير إلى آخر الليل، ويحصرها من لا يحضر أوله، أن يبتدئ ختمة أخرى، ليسمعه من يحضر آخره دون أوله. تتمة: يستحب حفظ القرآن إجماعًا وفيه فضل عظيم، وحفظه فرض كفاية إجماعًا وهو أفضل من سائر الذكر وفي الحديث «فضل الكلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه» ، صححه الترمذي، ويجب منه ما يجب في الصلاة اتفاقًا، ويبدئ الصبي وليه به قبل العلم، إلا أن يعسر، والمكلف يقدم العلم بعد القراءة الواجبة كما يقدم الكبير نقل العلم على نفل القراءة، واستحب بعضهم القراءة في المصحف لاشتغاله حاسة البصر، ما لم يكن عن ظهر قلب أحضر وأخشع، وتستحب على أكمل الأحوال، والترتيل أفضل من السرعة، مع تبيين الحروف، وأجل قدرا وأقرب إلى الإجلال والتوقير، وأشد تأثيرا في القلب، بل قراءة آية بتدبر وتفهم، خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب، وأدعى إلى حصول الإيمان، وذوق حلاوة القرآن، وهكذا كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم والسلف من بعده، حتى أنه ليردد الآية إلى الصباح، وهذا هو أصل صلاح القلب، ومن مكائد الشيطان تنفير عباد الله عن تدبر القرآن، لعلمه أن الهدى واقع عند التدبر. ومن الناس من إذا حدر كان أخف عليه، وإذا رتل أخطأ، ومنهم من لا يحسن الحدر، والناس في ذلك على ما يخف عليهم، فيستحب لكل إنسان ملازمة ما يوافق طبعه، ويخف عليه، فربما تكلف ما يشق عليه، فيقطعه عن القراءة أو الإكثار، منها، ولا خلاف أن الأفضل الترتيل، لمن تساوى في حاله الأمران، وأما السرعة مع عدم تببين الحروف فتكره، ويسن تحسين الصوت، وفي الصحيح «زينوا القرآن بأصواتكم» ، «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» ، وهو التحسين والترنم بخشوع وحضور قلب، وتفكر وتفهم ينفذ اللفظ إلى الإسماع، والمعاني إلى القلوب. قال النووي: وإن لم يكن حسن الصوت حسنه ما استطاع، ولا يخرج بتحسينه عن حد القراءة، وإلى التمطيط المخرج له عن حدوده، ويستحب البكاء عند القراءة وهي صفة العارفين، وشعار الصالحين، والآيات والأحاديث فيه كثيرة، وطريقه في تحصيل البكاء أن يتأمل ما يقرؤه من التهديد، والوعيد الشديد، والمواثيق والعهود، ثم يفكر في تقصيره فيها، فإن لم يحضره حزن وبكاء فليبك على فقد ذلك، فإنه من المصائب، وقال: والذي يتحصل من الأدلة أن حسن الصوت بالقرآن مطلوب، فإن لم يكن حسنا فليحسنه ما استطاع، ومن جملة تحسينه أن يراعي فيه قوانين النغم، فإن الصوت الحسن يزداد بذلك حسنا، وإن خرج عنها أثر ذلك في حسنه، وغير الحسن ربما انجبر بمراعاتها، ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبر عند أهل القرآن، فإن خرج عنه لم يف تحسين الصوت بقبح الأداء، فلعل هذا مستند من كره القراءة بالأنغام، لأن الغالب على من راعى الأنغام أن لا يراعي الأداء. وفي شرح الرسالة، ويتحصل من كلام الأئمة أن تحسين الصوت بمراعاة قوانين النغم، مع المحافظة على الأداء هو محل النزاع، فمن العلماء من رأى أن النفس تميل إلى سماع القراءة أكثر من ميلها لمن لم يترنم، لأن للترطيب تأثيرا في رقة القلب، وإجراء الدمع، فقال بجوازه، بل بطلبه واستحبابه، ومن العلماء من رأى أنه خلاف ما كان عليه السلف، وأن القارئ على هذا الوجه ربما غفل عن وجه الأداء فقال بعدم الجواز سدا للذريعة وأما تحسين الصوت بالقرآن من غير مراعاة قوانين النغم فهو مطلوب بلا نزاع. وقال الحافظ ما كان طبيعة وسجية كان محمودا، وما كان تكلفا وتصنعا مذموم، وهو الذي كرهه السلف وعابوه، ومن تأمل أحوالهم علم أنهم بريئون من التصنع، والقراءة بالألحان المخترعة دون التطريب والتحسين الطبيعي، وقد ندب إليه صلى الله عليه وسلم وقال ابن رشد: الواجب أن ينزه القرآن عما يؤدي إلى هيئة تنافي الخشوع، ولا يقرأ إلا على الوجه الذي يخشع منه القلب، ويزيد في الإيمان، ويشوق فيما عند الله اهـ، والتغني الممدوح بما تقتضيه الطبيعة، وتسمح به القريحة، من غير تكلف ولا تمرين وتعليم، بل إذا خلي وطبعه، واسترسلت طبيعته بفضل تزيين وتحسين، كما قال أبو موسى، لحبرته لك تحبيرا، فإن من هاجه الطرب والحب والشوق، لا يملك من نفسه دفع التحزين والتطريب في القراءة، والنفوس تقبله وتستحيله. وقال شيخ الإسلام وابن القيم وغيرهما -في تزيين الصوت بالقرآن- هو التحسين والترنم بخشوع وحضور قلب، لا صرف الهمة إلى ما حجب به أكثر الناس بالوسوسة في خروج الحروف وترقيقها وتفخيمها وإمالتها والنطق بالمد الطويل والقصير والمتوسط، وشغله بالوصل والفصل، والإضجاع والإرجاع والتطريب، وغير ذلك، مما هو مفض إلى تغيير كتاب الله، والتلاعب به، حائل للقلوب، قاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه، ومن تأمل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإقراره أهل كل لسان على قراءتهم تبين له أن التنطع بالوسوسة في إخراج الحروف ليس من سنته. وقال ابن قتيبة: وقد كان الناس يقرءون القرآن بلغاتهم، ثم خلف من بعدهم قوم من أهل الأمصار وأبناء الأعاجم فهفوا وضلوا وأضلوا، وأما ما اقتضته طبيعة القارئ من غير تكلف فهو الذي كان السلف يفعلونه، وهوالتغني الممدوح، ولابن ماجه عن جابر مرفوعًا، «إن من أحسن الناس صوتا الذي إذا سمعته يقرأ حسبته يخشى الله» ، ولأبي داود عن جابر: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن وفينا الأعرابي والأعجمي، فقال: «اقرءوا فكل حسن وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح، يتعجلونه ولا يتأجلونه» ، أي يبالغون في عمل القراءة كمال المبالغة للرياء والمباهاة، والشهرة والتأكل، ويذهب الخشوع، قال الذهبي: القراء المجودة فيهم تنطع وتحرير زائد، يؤدي إلى أن المجود القارئ يبقى مصروف الهمة إلى مراعاة الحروف، والتنطع في تجويدها، بحيث يشغله ذلك عن تدبر كتاب الله، ويصرفه عن الخشوع في التلاوة حتى ذكر أنهم ينظرون إلى حفاظ كتاب الله بعين المقت. قال الشيخ: وأهل القرآن هم العالمون به، العاملون بما فيه، وإن لم يحفظه عن ظهر قلب، والثواب ورفع الدرجات والأقدار على قدر معاملة القلوب، وما يحصل عند تلاوته وذكر الله، ومن وجل القلب، ودمع العين، واقشعرار الجسم، هو أفضل ذلك، وإذا قرأ لله فإنه يثاب على ذلك، ولو قصد بقراءته أن لا ينساه لحديث استذكروا القرآن، والقرآن لا يؤذي ولا يؤذى به، فلا يرفع به صوته يغلط المصلين، أو يؤذي نائما ونحوه، وليس لأحد أن يجهر بالقرآن بحيث يؤذي غيره، قال النووي: جاء أحاديث صحيحة تقتضي استحباب رفع الصوت بالقراءة وأحاديث في الإسرار، وقال العلماء: طريق الجمع أن الإخفاء أبعد من الرياء، فهو أفضل ممن يخاف الرياء، وكذا من يتأذى بجهره، فإن لم يخف الرياء، ولا التأذي، فالجهر أفضل، لأن العمل فيه أكثر، ولأن فائدته تتعدى إلى السامعين، ولأنه يوقظ قلب القارئ، ويجمع همه إلى الفكر، ويصرف سمعه إليه، ويطرد النوم، ويزيد في النشاط. قال الشيخ: يستحب استماع القرآن، واستحب قراءة الإدارة أكثر العلماء، وأما قراءة واحدة والباقون يستمعون فمستحب لا كراهة فيه بلا نزاع. وهي التي كان الصحابة يفعلونها. وقال النووي: يسن طلب القراءة من حسن الصوت والإصغاء إليها بالاتفاق اهـ. ويكره التحدث عنده بما لا فائدة فيه، وينبغي الختم كل أسبوع مرة، لقوله صلى الله عليه وسلم لابن عمرو: «اقرأ القرآن كل أسبوع لا تزد على ذلك» متفق عليه، ولا بأس به كل ثلاث، لحديث ابن عمرو أيضا عند أبي داود وغيره، وفيما دونها أحيانا كأوتار عشر رمضان الأخير، رجاء ليلة القدر، وروي عن جميع من السلف الختم في كل ليلة، وكره تأخيره فوق الأربعين لإفضائه إلى نسيانه، والتهاون به، ويقدر بالنشاط وعدم المشقة، ولا يحد بحد، صححه غير واحد، ويحرم تأخيره إن خاف نسيانه، للوعيد عليه، ولأحمد وغيره عن أوس: سألت أصحاب محمد: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاث وخمس وسبع وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل واحد. قال الشيخ: وتحزيبهم بالسور معلوم بالتواتر، وأستحسنه على التحزيبات المحدثة بالإجزاء، ويختم في الشتاء أول الليل، وفي الصيف أول النهار (*) ويجمع أهله لينالهم من بركته، وكان أنس يجمع أهله، وإن قرأ وحده ففي الصلاة أفضل، واستحب السلف حضور الختم وقالوا: يستحب الدعاء عنده، وفيه آثار كثيرة ويلح في الدعاء ويدعو بالمهمات.