وعلى أية حال فالأخبار التى لدينا تفيد أى معاوية بن أبى سفيان وعبد الملك بن مروان قد تفاوضا مع نصارى دمشق -دون جدوى- ليتنازلوا عن الباسيليقا ليحولها المسلمون إلى مسجد، لكن الوليد بن عبد الملك قرر مصادرتها، وصادرها بالفعل دون أن يضيع وقتا فى أية مفاوضات. ولم يأمر الوليد بهدم مبنى الباسيليقا ولكنه أمر -فقط- بإزالة الجزء الثانى ناحية الشرق، وشيد قبة النسر، فوق جناح الكنيسة، وشيد مئذنتين فوق برجى الكنيسة القديمين، ومئذنة أخرى إلى شمال صحن المسجد هى مندنة الخطيبة Fiancee (١) . وأعاد الوليد تشكيل الكنيسة من الداخل واستعان بالمعماريين الشوام المهرة واستخدم الجيش النظامى فى جلب الرخام وتقطيعه، وتم طلاء تيجان الأعمدة بالذهب، كما غطيت الجدران بالرخام، وتمت كتابة اسم الوليد بحروف من ذهب وأمامها تاريخ البدء فى البناء وهو ما يفيد أن هذا العمل تم فى نوفمبر سنة ٧٠٦ م. ووجه الوليد اهتمامه أيضًا إلى عمارة المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوى بالمدينة المنورة مستعينًا بالمعماريين النصارى.
والملمح الثانى المهم الذى ميز حكم الوليد هو تعريب الدواوين، وسحب الوظائف المالية من أسرة ابن سرجون الدمشقية التى سيطرت على الميزانية. أما فيما يتعلق بالفتوح فقد امتدت الدولة الإسلامية فى عهده من بلاد ما وراء النهر إلى الأندلس، وتميز عهده بالتسامح مع أهل الذمة وبهر الناس بإنشاءاته الضخمة والفتوحات العظيمة التى نمت فى عهده وبكرمه وسخائه، وفكر الوليد فى أن يجعل ابنه عبد العزيز خليفة بعده بدلًا من أخيه
(١) استرضى الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز نصارى دمشق بعد ذلك وعرض عليهم رد الباسيليقا ولما كان ذلك أمرا صعبا، فقد تنازل لهم عن كنيسة توما التى كانت أرضها ملكا للمسلمين -انظر مادة عمر بن عبد العزيز فى هذه الموسوعة) [المترجم]