للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

واحدة، وينبغى أن نلتمس الأسباب -كما هى الحال عادة- فى العوامل ذاتها التى أظهرت خلافة هشام فى مظهر الرخاء والتقدم.

استغل هشام إلى أقصى حد إصلاحات عمر المالية، وأثقل كاهل المسلمين وأهل الذمة من رعيته على السواء، تشهد بذلك الثورات التى كان سببها الضرائب الفادحة، وكان البؤس -وهو دائمًا قرين التطرف- سببًا فى إحياء مذهب الخوارج؛ ووصل هذا المذهب إلى الشام فكانت هذه ظاهرة جديدة لم يسبق لها مثيل. وفى الشام تمرد الجند الذين كانت تقوم على كواهلهم قوة الأمويين الحربية؛ فخرجوا على النظام ساخطين على نزعة الحكومة الظاهرة إلى الحكم الاستبدادى شيئاً فشيئاً. ثم ظهرت حركة الشيعة مرة أخرى فى العراق علانية، ويدل على ذلك المحاولة التى قام بها زيد بن على بن الحسين (١٢٣ هـ) ولكنها فشلت فشلا يرثى له.

وكان اتساع الفتوحات المتزايد سببًا فى أن أصبحت البلاد القاصية بعيدة عن إشراف السلطة المركزية. وظهرت السخائم القبلية ظهورًا عنيفًا واختلطت بالفوارق الدينية. ونجحت الدعاية الشيعية السرية نجاحًا سريعًا فى أقصى خراسان رغم جهود نصر بن سيار العظيمة لإيقافها. ونستطيع أن ندرك بعد هذا كله كيف أن تذمر الناس من فساد أخلاق الوليد وجد تربة خصيبة ينمو فيها ويستفحل أمره، وخصوصًا بعد أن نادى الوليد بتعيين ابنيه وارثين للخلافة بمجرد ارتقائه العرش؛ فكان ذلك قاضيًا على آمال الطامعين فى الخلافة من أبناء عبد الملك.

ثم ثار جند الشام والأردن فرفعوا يزيد الثالث إلى الخلافة؛ وقتل الوليد. ولم يفلح يزيد ولا أخوه إبراهيم الذى خلفه بعد شهور قليلة فى إخماد الفوضى التى كانت تنتشر فى جميع أجزاء الامبراطورية.

ثم نهض الخوارج وعلى رأسهم الدَّقاق بن قيس الشيبانى فاستولوا على الكوفة. ومرت سنوات قليلة كان يبدو فى أثنائها أن نجاة الدولة ستكون على يد أمير من البيت الحاكم بعيد عن أبناء القابضين على مقاليد الأمور، ذلك هو