درس فيما بعد دراسة عملية وعلمية قيمة فى البيمارستان النورى، وتلقى الطب على رضى الدين الرحبى، وشمس الدين الكُلِّى (سمى كذلك لأنه كان يحفظ كُلِّيات قانون ابن سينا عن ظهر قلب)، وابن البيطار مؤلف جامع المفردات، وخاصة مهذب الدين عبد الرحيم بن على الدخوار (توفى عام ٦٢٨ هـ) الذى أنشأ مدرسة ممتازة من الأطباء وكان له فضل عظيم على دراسة الطب فى عصره. وكان زميله فى البيمارستان الطبيب اليهودى عمران ابن صدقة الذى كانت لديه مكتبة غنية بالكتب الطبية. وكانت سنو دراسة ابن أبى أصيبعة على هذين الأستاذين محببة إلى نفسه، ومن المحتمل أنه استغل إلى حد كبير كتب ابن صدقة فى تأليف تاريخه. وكان ابن أبى أصيبعة يقوم حينًا من الزمن بالكحالة فى البيمارستان الناصرى بالقاهرة حيث استفاد من دروس السديد بن أبى البيان الإسرائيلى، الطبيب والعالم بالأقراباذين، وهو مؤلف كتاب الأقراباذين المعروف:"الدستور البيمارستانى". وعلى هذا النحو استطاع ابن أبى أصيبعة أن يحذق الطب من ناحيته العملية، كما كان فى الوقت نفسه يكتب تاريخه المعروف عن الأطباء. وتمت أول نسخة من هذا الكتاب فى حدود عام ٦٤٠ هـ، ، ومنذ ذلك الحين أضاف المؤلف عدة زيادات وصلت بالتراجم إلى عام ٦٦٧ هـ أى قبل وفاة المؤلف بعام واحد، ولهذا السبب تختلف النسخ المخطوطة الموجودة فيما بينها اختلافا بينًا. ولم يكن ابن أبى أصيبعة كاتبًا مجيدًا، كما ينقص كتابه فى بعض الأحيان الإصابة فى النقد، وقد جعلت كثرة ما أورده من الشعر -ومعظمه ردئ- دراسة هذا الكتاب من الصعوبة بمكان. على أن لابن أبى أصيبعة فضلًا عظيمًا بما جمعه من أخبار فاق فيها غيره فى التاريخ الطبى والعلمى للقرون الوسطى فى الشرق (ولا يستثنى من ذلك ابن النديم وابن القفطى). وقد أمدنا فوق ذلك بشئ عن الطب الهندى واليونانى لم يكن ليصل إلينا بدونه، كما أمدنا بتفاصيل وافية عن الحياة الاجتماعية والعلمية فى العالم الإسلامى. لذلك أصبح كتابه مصدرًا عظيم الأهمية