أخذ ابن الأثير العلم عن شيوخ عصره بالجزيرة والعراق والشام، فسمع بالموصل من خطيبها أبى الفضل عبد الله بن أحمد الطوسى، وسمع ببغداد من أبى القاسم يعيش بن صدقة الفقيه الشافعى وأبى أحمد عبد الوهاب بن على الصوفى، وسمع بدمشق من زين الأمناء وغيره.
وعاش ابن الأثير منقطعا إلى العلم تحصيلا وتدريسا وتصنيفا، وربما استسفره صاحب الموصل فى بعض الشئون السياسية لدى أولى الأمر ببغداد، كما يؤخذ من قول ابن خلكان:"وقدم بغداد مرارا حاجا ورسولا من صاحب الموصل".
وقد روى عن ابن الأثير غير واحد من جلة العلماء. فابن خلكان يصرح بأنه عند ما لقيه فى صباه بحلب لازمه وتردد عليه، ويقول فى ترجمته أبو محمد التسترى:"وذكر شيخنا ابن الأثير فى تاريخه ... " وممن روى عنه أيضا الشرف بن عساكر وسنقر القضاعى اللذان يقول فيهما صاحب "طبقات الشافعية الكبرى"، "إنهما من أشياخ أشياخه".
* * *
لا شك أن كتاب "الكامل" الذى يقع فى اثنى عشر جزءا أجل تصانيف ابن الأثير وأشهرها. وكان جل اعتماده فى الأجزاء السبعة الأولى منه على أبى جعفر الطبرى، وقد اختصر الطبرى فحذف الأسانيد وترك الإسهاب واكتفى بالرواية الواحدة، على أن ذلك لم يمنعه من أن يستمد من مصادر أخرى كابن الكلبى والمبرد والبلاذرى والمسعودى ما ترك الطبرى عن قصد أو غير قصد، وذلك مثل أيام العرب قبل الإسلام والوقائع بين قيس وتغلب فى القرن الأول الهجرى، وغزو العرب السند،
إلخ.
وأما بقية أجزاء الكتاب فقد انتفع ابن الأثير فى تأليفها بكل المصادر العربية التى وصلت إلى يده، لذلك يعتبر كتابه بحق خلاصة وافية لما كتب