للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يصل ما بينهما وذلك بمؤاخاته بين أفرادهما. وكان أخص صحابة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] من المهاجرين وبقيت بين الأنصار بعض المنازعات القبلية وإن لم تبلغ قط ما كانت عليه من حدة (٤). وسيطرت روح التضحية على الأنصار فكانوا يغيثون الفقير بالرغم مما في ذلك من إثقال لكاهلهم. وفيما عدا ذلك نجد الأنصار قد قصروا مساعدتهم أول الأمر على الذود عن الدين، ولم يساهموا في الحروب الأولى التي وجهت إلى مكة. وكانت قلة حماسهم في المبادرة إلى الجهاد كثيرا ما تقلق بال النبي [- صلى الله عليه وسلم -] حتى آثر الاعتماد على عون الله (٥).

وأخذ الأنصار يناصرون النبي [- صلى الله عليه وسلم -] شيئًا فشيئا: كان عليهم تأييده في دعوته وعدم مساعدة خصومه، مثال ذلك أنهم أمروا بأن يكونوا عيونا للنبي [- صلى الله عليه وسلم -] على الكفار، على أنهم في الوقت نفسه احتفظوا -إلى حد ما- بحقهم في إبداء الرأي، طالبوا بتوقير أشخاصهم، وهو أمر أقرهم عليه النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، وقد تحقق لهم ما ورد في القرآن الكريم من أن الله ينصر من ينصره. فما أن خلص الأنصار من المحن حتى تحسنت حالهم بتدفق الغنائم على المدينة ورواج تجارتها. ولما استولى المسلمون على مكة خشى الكثيرون من الأنصار أن ينقل النبي [- صلى الله عليه وسلم -] عاصمته إليها ولكنه بدد مخاوفهم بقوله إنه يريد أن يعيش حيث يعيشون ويموت حيث يموتون (٦)، ومن الواضح أنه لم يكن ليجد مؤيدين يطمئن إليهم في آية بلدة كما وجد الأنصار في المدينة. ومع هذا فقد قدر لهم أن يروا أشراف مكة الذين ذهبوا في مناوأة النبي [- صلى الله عليه وسلم -] ينعمون برضاه (٧).

وبعد أن قبض النبي [- صلى الله عليه وسلم -] كان جمهور المسلمين ينتخبون الخليفة في أول الأمر، ولكن لم ينل أحد من الأنصار شرف الخلافة. وأصبحوا مضرب المثل في التقوى وظلوا مخلصين لذكرى النبي [- صلى الله عليه وسلم -] مبرَزين في علم الحديث. وكانت هذه الفضائل هي التي رد بها الأنصار على تفاخر أهل مكة بجاههم، وكانوا يشيدون كذلك