أشعاره مع ذلك تعبيرا عن الحب المثالى، إذ نحن نجد فيها (الديوان، طبعة استانبول، ص ١٤٨ - ١٥٠) عربدة مع قيان. وعلى كل فإن شعر ابن الأحنف على طرفى نقيض مع شعر أبى نواس الذى يشيع فيه التمجيد الشهوانى لمحبوبه. وفن العباس يغلب عليه التقليد وإلهامه يبعث الملالة فى النفس. على أنه يتحاشى فى أسلوبه المحسنات البلاغية التى لا غناء فيها، ولغته تشبه لغة أبى نواس فى بساطتها وتدفقها مع البعد عن الابتذال والإسفاف.
ولا يمكن أن ننسب رواج شعر العباس من أول الأمر إلى مجرد وجود أثر هلينى فيه أو إلى توقير لسنة عربية قديمة فحسب، بل يجب أن نضع فى الاعتبار أيضا المجتمع الذى عاش فيه الشاعر، ذلك أن أشعار العباس قد تردد فيها نزوع الرشيد إلى الفنون وذوق نساء البلاط فكانت بذلك مادة مهيئة للملحنين والمغنين مثل إبراهيم الموصلى (انظر الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ ٦، ص ١٨٢؛ جـ ٨، ص ٣٦١, ٣٥٤ - ٣٥٦. على أن الرضا عليها من قبل أدباء كالجاحظ وابن قتيبة والمسعودى، ومحب للموسيقى مثل الخليفة الواثق، ورجل من الظرفاء مثل أبى بكر الصولى، ثم رجل صارم الخلق مثل سلمة بن عاصم (انظر ابن قتيبة: الشعر، ص ٥٢٥ وما بعدها، وخاصة الأغانى، الطبعة الثالثة، جـ ٨، ص ٣٥٤ وما بعدها) ليدل على أن هذه الآثار الشعرية كان من الممكن أن يستحسنها جمهور له أذواق شتى.
ومن العسير أن نحدد مكانة العباس بن الأحنف فى تاريخ الشعر العربى. هاذا كانت الأندلس الإسلامية قد قدرت هذا الشاعر المشرقى (انظر ابن حزم: طوق الحمامة، طبعة Bercher, ص ٢٨٥؛ La Poesie and alouse en arabe clas-: Peres sique au Xle siecle ص ٥٤, ٤١١) فإن المرء قد يجد فيه شاعرا من الشعراء الذين أثروا فى شعر الغزل الذى كانت تقدره هذه البلاد تقديرا عظيما. ومن ثم يكون شأنه فى تطور هذا الضرب من الشعر على أعظم جانب من الأهمية. وقد حاول نقاد من المشارقة حديثا مثل