وعلى الرغم من أن الرسوليين حلوا محل الأيوبيين ابتداء من عام ٦٢٩ هـ (١٢٣٢ م) إلا أن الرسوليين كانوا أصلًا من عمالهم، واستمروا في الحفاظ على تقاليدهم. وأعاد الأيوبيون العمل بمذهب السنة في اليمن وجعلوا بينها وبين مصر روابط وثيقة من النواحى السياسية والاقتصادية والنظامية. وقد يكون الإصرار على بقاء الانقسامات الدينية بين طوائف الشعب أصل المحاولة الغريبة التي قام بها ثالث خلفاء الأيوبيين في أن يدعى أنه خليفة أموى مستقل بذاته، وبعد التغلب عليه أكد العادل والكامل عزمهما على عدم السماح بخروج اليمن من أيديهما، وذلك بإرسال أحد أبناء الأخير لتولى منصب الخلافة، ومهما يكن من أمر فإن الكامل لم يستطع منع الرسوليين من الجلوس على أريكة الحكم، بيد أن هؤلاء كانوا يجدون الكثير من العناء في إظهار أنفسهم، في البداية على الأقل، بوصفهم حلفاء للأيوبيين، ونشب بينهم فيما بعد نزاع على النفوذ في مكة، على أن العلاقات التجارية لم تتوقف أبدًا فيما يظهر.
٣ - وتسجل وفاة الكامل نهاية النظام الأيوبى الحقيقي، مع التحفظ بأن ما لحقه من ضعف كان إلى حد كبير يكمن في تكوينه هو نفسه. وكان الكامل قد خص ابنه الأكبر الصالح أيوب بحكومة حصن كيفا، وعين ابنه الأصغر العادل خلفا له، فأذكى العادل نيران الكراهية ضده فاستغاث خصومه بالصالح. وخاض الصالح غمار معارك عنيفة لقى فيها هزائم عديدة، ثم ظفر بالعرش ووحد زعامة الإمارات الأيوبية (وهي وحدة قدر لها أن تزول بوفاته) لا على حساب شقيقه الأصغر فحسب، بل على حساب معظم الأيوبيين في الشام أيضًا، وبخاصة الصالح إسماعيل الذي أصبح صاحب دمشق. ومن المسلم به أنه كانت هناك منازعات بين الأيوبيين، ولكن هذه المنازعات لم تمنع أحدًا من الزعماء من قبول البلاد، التي كانوا يحكمونها، من السلطان، رأس الأسرة، أو تحول بين تضامن الأسرة وبين حصر الآثار الضارة لهذه المنازعات في حدود معينة. وكان كل من الخصوم يرى هذه المرة أن خصمه مغتصب للعرش، ولم يتحقق الانتصار