الواقع تاريخ عهد جديد هو عهد المماليك اعتبارا من عام ٦٤٧ هـ (١٢٤٩ م). ويعد الصالح المنشئ الحقيقي لهذا النظام، إذ ما من شك في أن جيش المماليك الأتراك المتماسك القوى النظام والمسمى بجيش المماليك البحرية- نسبة إلى الثكنات المقامة على جزيرة في النهر (البحر) - كان الفيصل الحقيقي في حسم الموقف. ولم يكن الصالح ولا تورانشاه من القواد العسكريين. وكان يمكن للأسرة أن تستمر في الحكم فترة أطول لو لم يفتقر تورانشاه إلى الرأى السديد. ولم يكن هناك مفر من أن يعزله المماليك البحرية عاجلا أو آجلا ويعينوا بدله قائدا يرقى من بينهم، وهذا هو ما فعلوه في الواقع عند ما رفعوا عز الدين أيبك إلى مرتبة السلطة إثر وفاة تورانشاه، إذ أقيم أولًا في وظيفة أتابك ثم نودى به سلطانا. وهكذا خلف البيت "الكردى" نظام "تركى" كما يقول المعاصرون.
أما الأيوبيون في الشمال فقد استمروا في الحكم فترة أطول، ولكن دون أن يحققوا أي نجاح وقضوا حياتهم يتهددهم شبح الفزع من اقتراب المغول. وترددوا بين الخضوع الذي كانوا يخشون أن يكون فيه القضاء عليهم، وبين المقاومة المسلحة وكانوا يائسين منها مقدما، ويعلمون ألا جدوى من ورائها. ومهما يكن من أمر فإن الناصر صاحب حلب أصبح حامل لواء الخلافة الأيوبية، واقتضى الأمر في مواجهة الخطر المغولى توسط الخليفة لعقد اتفاق أصبحت بموجبه الشام كلها متابعة له، واكتفى السلطان المملوكى بمصر، غير أن بغداد سقطت عام ١٢٥٨، وفي سنة ١٢٦٠ تم الاستيلاء على حلب ودمشق وميافارقين - إما عنوة أو صلحا- للغازى الذي خيل للناس أنه قوى لا يقهر، وأسر المغول في آخر الأمر الناصر السيئ الحظ الذي لم يجرؤ على طلب اللجوء إلى مصر مثل الآخرين، وعومل معاملة حسنة في مبدأ الأمر، ولكنه دفع حياته عندما وصلت أنباء ما لقيه الجيش المغولى من هزيمة على يد المماليك في موقعة عين جالوت في نهاية العام نفسه. وبعد فتح السلطان المملوكى بيبرس للشام، أخضعت إمارة الكرك (التي كانت علاوة