يكن للبحترى إلَّا قصيدته السينية في وصف إيوان كسرى، فليس للعرب سينية مللها، وقصيدته في البركة "ميلوا إلى الدار من ليلى نحييها"، واعتذاراته في قصائده إلى الفتح التي ليس للعرب بعد اعتذارات النابغة إلى النعمان مثلها، وقصيدته في دينار بن عبد الله التي وصف فيها ما لم يصفه أحد قبلها أولها "ألم تر تغليس الربيع المبكر" ووصف حرب المراكب في البحر - لكان أشعر الناس في زمانه، فكيف إذا أضيف إلى هذا صفاء مدحه ورقة تشبيهه.
وقد ذكر فيها ألفاظ" الأسطول" و"النوتى", و"العلاة" وقد أراد بها البرج الذي يعتليه ربان السفينة، و"الاشتيام"، وهو رئيس المركب، وهذه اللفظة قال عنها المعرى إنها كلمة لم يذكرها المتقدمون من أهل اللغة، فإذا سئل من ركب البحر عنها قال: البحريون الذين يسلكون بحر الحجاز يسمون رئيس المركب "الاشتيام"، فإن كانت الكلمة عربية فهي الافتعال من شام البرق لأن رئيس المركب يكون عالما بشئون البروق والرياح ويعرف من ذلك ما لا يعرفه سواه، وذكرها الطبري في تاريخه (أخبار سنة ٢٥١) فقال: "دخل من البصرة عشر سفائن بحرية تسمى البوارج في كل سفينة اشتيام". وورد بحاشية "أمالى المرتضى"(١: ٩٤ الحلبى): والاشتيام. رئيس المركب، كلمة نبطية. وقال الدكتور زكى المحاسنى إن الكلمة في أصلها رومية.
وارتفع بصر البحترى إلى ما فوق مستوى هؤلاء الرجال، وعبر أفقهم إلى ما بعد هذا الأفق حيث كان يطمح في الوصول إلى بلاط الخلافة منذ أن ولى الواثق أمورها في سنة ٢٢٧ هـ الذي أشار إليه إشارة تمجيد في قصيدته التي عزى بها أبا سعيد في موت المعتصم. ونجده في بغداد حيث مقر الخلافة العباسية متجها ببصره أولًا إلى الرجل الأول في شئون الحكم في هذه الحقبة: محمد بن عبد الملك الزيات، وكان شاعرًا أديبا استوزره المعتصم سنة ٢٢٥ هـ ثم بقى وزيرًا للواثق، واستبقاه المتوكل فترة حين تولى الخلافة بعد أخيه الواثق سنة ٢٣٢ ثم