كلام هؤلاء، يعني أصحاب الرأى، ثم خرجت مع أخي أحمد وأمى إلى مكة، فلما حججت رجع أخي إلى بخارى فمات بها". وكان أخوه أسن منه، وأقام هو بمكة لطلب الحديث. قال:
"ولما طعنت في ثماني عشرة سنة صنفت كتاب قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وصنفت التاريخ الكبير إذ ذاك عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم في الليالى المقمرة، وقل اسم في التاريخ إلَّا وله عندي قصة، إلَّا أنى كرهت تطويل الكتاب".
فكان أول سماعة سنة خمس ومائتين، ثم رحل سنة عشر ومائتين بعد أن سمع الكثير ببلده من سادة وقته: فسمع ببلخ وسمع بمرو وسمع بنيسابور وبالرى وببغداد وسمع بالبصرة وبالكوفة وبمكة وبالمدينة وبواسط وبمصر وبدمشق وبقيسارية وبعسقلان وبحمص من خلائق يطول سردهم حتى أنه قال: "كتبت عن ألف وثمانين نفسا ليس فيهم إلَّا صاحب حديث".
وحدّث بالحجاز والعراق وخراسان وما وراء النهر، وكتب عنه المحدثون وما في وجهه شعرة. قال محمد بن أبي حاتم وراق البخاري: "سمعت حامد بن إسماعيل وآخر يقولان: كان البخاري يختلف معنا إلى السماع وهو غلام فلا يكتب، حتى أتى على ذلك أياما فكنا نقول له، فقال: إنكما أكثرتما على فاعرضا على ما كتبتما، فأخرجنا إليه ما كان عندنا فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها على ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه. ثم قال: أترون أنى أختلف هدرا وأضيع أيامى؟ فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد".
قالا: فكان أهل المعرفة يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ويجلسوه في بعض الطريق فيجتمع إليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه. ورغم أنه كان شابا.
وقال البخاري: "دخلت على الحميدى وأنا ابن ثماني عشرة سنة - يعني أولَ سنة حجَّ - فإذا بينه وبين آخر اختلًاف في حديث، فلما بصر بى قال: جاء من يفصل بيننا، فعرضا على الخصومة فقضيت للحميدى وكان الحق معه".