يخدع المسلمين بشق سبيله شقا متخذا طريقا أدنى للساحل من الطريق المألوف. ومع ذلك فإن أبا جهل مضى قدما إلى بدر غير مستمع إلى معارضة بعض الشيوخ وانسحاب رجال جيشه من عشيرتى زهرة وعدى، وراح يستعرض قوته، ولا شك أنه كان يحس هو وأنصاره أنهم من القوة بحيث لا يجرؤ النبي على مهاجمتهم (سورة الأنفال، الآية ٤٩).
والظاهر أن النبي لم يعلم بالحملة التي كان يقودها أبو جهل حتى مساء اليوم السابق للمعركة حين اعتقل بعض رجاله سقاء مكيا عند آبار بدر. وكان معسكر المكيين لا يزال بعد بعيدا عن الأنظار خلف تل من التلال. وكان مثل هذا اللقاء خليقا بأن ييسر على النبي أمر إقناع أنصاره بالقتال، ذلك أن الانسحاب في مدر هذه الظروف كان أمرا يخدش الشرف. وفي صبيحة اليوم التالي بادر محمد صلى الله عليه وسلم بالاستيلاء على الآبار، وملأها جميعا بالرمال إلَّا البئر التي هي أقرب الآبار إلى العدو، وأقام عندها رجاله. وبذلك اضطر العدو إلى أن يقاتل في سبيل مورد للماء يركن إليه، ولم يكن له في ذلك اختيار. وكل ما يمكن أن يقال عن سير المعركة أنه كان ثمة مبارزات فردية أعقبها اشتباك عام بين الجيشين، وأما الشيء المحقق فهو أن المكيين نزلت بهم هزيمة فادحة، فقد قتل منهم نحوا من سبعين رجلا (من بينهم أبو جهل ونيف وعشرة من وجوههم) وأسر قرابة سبعين أسيرا أفتُدوا بعد بمبالغ كبيرة، ولم يقتل من المسلمين إلَّا خمسة عشر رجلا تقريبا. وكان ذلك نكبة على المكيين، ولكنها لم تكن نكبة تعجزهم عن الحركة. صحيح أن فقد كثير من وجوههم كان خطيرًا، ولكن فقدان هيبتهم ربما كان هو أفدح ما أصابهم. وكان استرداد هذه الهيبة يقتضيهم أن يثأروا من النبي، على حين أن ذلك كان بالنسبة للمسلمين تأييدا لإيمانهم أفاءه الله عليهم (سورة الأنفال، الآية: ١٧, ٤٣)، وقضى النبي وقتا طويلا يدعو ربه فيستجيب الله له ويعده بالنصر (سورة الأنفال، الآية ٧، ٩) ويرى المسلمون في