رسالته الأخلاقية أن حدته كانت ترجع إلى مرض كان يلازمه. وإنما نجح ابن حزم -إلى حد ما- في نشر آرائه، مدة من الزمن، فقد وجد نصيرا في شخص أحمد بن رشيق (الضبى رقم ٤٠٠) وإلى ميورقة هن قبل مجاهد، وكان هذا الرجل شغوفًا بالأدب وعلوم الدين، احتمى به ابن حزم عندما اتهمه فقهاء قرطبة وغيرهم بمعارضة المذهب المالكي (Notices: Dozy ص ١٩٠ وما بعدها) واستطاع في ظل هذا الوالى أن يكتسب أنصارا له بهذه الجزيرة وذلك بين عامى ٤٣٠ و ٤٤٠ هـ (ابن الآثار: التكملة، رقم ١٤٦٧ ورقم ٢٠٢٧؛ ابن بشكوال، رقم ٩٠٣). ولقد تجادل في حضرة ابن رشيق المتوفى بعيد عام ٤٤٠ هـ مع الفقيه المشهور أبي الوليد سليمان الباجي حو الذي كان قد عاد من المشرق حوالى عام ٤٤٠ هـ، وكان هذا الخصم نفسه الذي استدعاه فقيه من ميورقة هو الذي أجبر ابن حزم آخر الأمر على مغادرة الجزيرة (ابن الأبار، كتابه المذكور، رقم ٤٤٢ Es-: Codera , . tudios Criticos etc . ص ٢٦٤ - ٢٦٩).
وقد أحنق ابن حزم فقهاء عصره لتعريضه بأئمة أهل السنة، والراجح أنه كان موضع الحسد من بعضهم لغزارة علمه، فنهوا عوامهم عن الإصغاء إلى أخطاء مذهبه، وحذروا سلاطينهم هن فتنته، وطفق الملوك يقصونه عن قربهم، ويسيرونه عن بلادهم. وكان مما يزيد في التخوف منه تشيعه لبنى أمية. ولقد أن دسائس هؤلاء الفقهاء المستمرة بابن حزم إلى أن يعتكف بضيعة أسرته في كنت ليشم، وأحرقت موْلفاته جهرة في إشبيلية، فندد بهذا التصرف الأحمق في قصائد لاذعة. وواصل ابن حزم في عزلته الدرس والتأليف، ورى ابنه أبو رافع أن مصنفاته بلغت الأربعمائة، وأن عدد أوراقها بلغ الثمانين ألفا "ولم تَعْد أكثرها عتبة باديته"(انظر ابن حيان). وكانت تتردد عليه زمرة صغيرة من أصاغر الطلبة الذين لم يخشوا فيه ملامة الفقهاء، من بينهم المؤرخ الحميدى. وتوفى ابن حزم في قريته في الثامن والعشرين من شعبان عام ٤٥٦ هـ - (١٥ أغسطس ١٠٦٤). وروى أن المنصور الموحدى قال على قبره مرة:"كل العلماء عيال على ابن حزم"(المقرى، جـ ٢، ص ١٦٠، س ١٢).