وظلت القبائل البلوخية وجاراتها من الكوج تسيطر على جبال كرمان، وأخذ البلوخ يشنون منها الغارة على كل ناحية وعبروا صحراء لوط إلى خراسان ثم انتشروا في سجستان. ولا يذكر كل من البلاذرى المتوفى عام ٢٧٩ هـ (٨٩٢ م) والطبرى المتوفى حوالي عام ٣٢٠ هـ (٩٣٢ م) سوى الكوج أي القفص في كرمان، أما المسعودى المتوفى قرابة عام ٣٣٢ هـ (٩٤٢ م) والإصطخرى المتوفى حوالي عام ٣٤٠ هـ (٩٥١ م) فقد ذكرا كلا من الكوج والبلوج شأنهما في ذلك شأن المؤلفين المتأخرين كالإدريسى وياقوت. ويذكر الإدريسي المتوفى قرابة عام ٥٤٣ هـ (١١٥١ م) أن جبال الكوج كان يقطنها جنس متوحش أشبه بالأكراد، وأن البلوج استقروا في الشمال والغرب من هؤلاء وكانوا قومًا أصحاب نعم يملكون قطعانًا من الماشية ولا يقطعون الطرق كثيرًا كجيرانهم. ويؤيد ياقوت هذه الرواية ويستشهد على ذلك برجز هو:
"وكم قطعنا من عدو شرس ... زط وأكراد وقفس قفس"
وهو يقول أيضًا إن القفس يزعمون أنهم عرب وكانوا يميلون إلى التشيع، ويزعم أيضًا أن البلوخ (البلوص) كانوا شر هذه الأجناس، وأن عضد الدولة الديلمى (٣٣٨ - ٣٧٢ هـ = ٩٤٩ - ٩٨٢ م) قد أفناهم. وإنا لنضيف إلى ذلك أن معز الدولة، وهو من هذا البيت، قد أيده في قتاله مع الكوج والبلوج، ويذكر الإصطخري أنه حتى في عهده كان في سجستان كورتان تعرفان بأرض البلوج وأن قطعهم للطريق بعد ذلك في لوط بين طبس وخبيص قد أسخط محمودًا الغزنوى فأنفذ إليهم ولده مسعودًا فهزمهم بالقرب من خبيص. وزاد عددهم في سجستان قرابة هذا العهد. ومن الراجح أن يكون شمس الدين السجستانى الذي ورد ذكره في أساطيرهم هو ملك شمس الدين من بنى صفار الذي قال عنه صاحب كتاب طبقات ناصرى إنه كان حاكما مستبدًا. وتوفى شمس الدين عام ٩٥٥ هـ (١١٦٤ م)، وورد في الأساطير أن البلوخ طردوا من سجستان في عهد خلفه. ولا جدال في أن هجرة البلوخ العظيمة ناحية الشرق بدأت في هذا