تُرجْيلة Truxillo بالأندلس. وقد كان ابن رشد عام ٥٤٨ هـ (١١٥٣ م) بمدينة مراكش، والراجح أن ابن الطفيل قد رغبّه في الرحلة إليها. وهناك قدمه هذا الفيلسوف إلى أبي يعقوب يوسف الموحدى فشمله برعايته. وثمة وصف لهذا اللقاء (المراكشى: المعُجِب في تلخيص أخبار المغرب، طبعه دوزى ص ١٧٤ - ١٧٥) لا يزال باقيا حتى اليوم، فقد سأل الخليفة ابن رشد عن رأى الفلاسفة في السماء (الكون) هل هي جوهر قديم أم حادث، فامتلأ رعبا ولم يحر جوابا، فهش له الخليفة وبدأ يناقش هذه المسألة بنفسه ويبسط آراء العلماء على اختلافهم في تثبت ودراية واسعتين يندر وجودهما عند أمثاله من الأمراء؛ وصرفه الخليفة بعد أن أجازه. وأشار عليه ابن الطفيل بشرح كتب أرسطو وقال له إن أمير المؤمنين كثيرا ما شكا من غموض فلاسفة الإغريق، أو قل من الترجمات التي كانت موجودة في ذلك العين، وأنه ينبغى عليه أن يضطلع بشرحها.
ولقد ولى ابن رشد القضاء بإشبيلية عام ٥٦٥ هـ، ثم ولى القضاء بقرطبة عام ٥٦٧ هـ، ورغم اشتغاله بما تتطلبه تلك المناصب من أعباء فقد صنف أهم كتبه في ذلك العهد، ونجده عام ٥٧٨ هـ في مراكش، وكان قد استدعاه إليها يوسف ليكون طبيبه الخاص بدلا من ابن الطفيل الذي كان قد طعن في السن, وبعثه الخليفة بعد ذلك إلى قرطبة قاضيا لقضاتها.
وكان ابن رشد موضع رعاية يعقوب المنصور خليفة يوسف في بداية حكمه، ولكنه فقد رضاه بعد ذلك لأن المتكلمين كانوا قد عارضوا مصنفاته واتهموه بضروب مختلفة من الزندقة، وحو كم من أجل ذلك، ونفى إلى أليسانة بالقرب من قرطبة. وأمر الخليفة في الوقت نفسه بإحراق كتبه في الفلسفة ما عدا الطب والحساب والمواقيت (حوالى عام ١١٩٥ م). ويلاحظ دنكان مكدونلد - Dncan Mac donald أن أوامر الخليفة الموحدى، الذي كان حتى ذلك العين نصيرا للفلسفة، لا بد أن تكون قد صدرت إرضاء لمسلمى الأندلس الذين كانوا أكثر تمسكا بالسنة من البربر. والواقع أن الخليفة كان في