حال ما كان لكتاب ابن سينا المسمى "القانون"، (يوجد "كتاب الكليات" مخطوطا بغرناطة، انظر دوزى فى Zeitschr. d. Deutsch. Morgenl. Gesell, جـ ٣٦، سنة ١٨٨٢ م، ص ٣٤٣؛ وبسانت بطرسبرغ، انظر فهرس دورن، رقم ١٢٤، والراجح أنه يوجد أيضا بمجريط، انظر فهرس Robles, رقم ١٣٢، وانظر. etc، رقم ١٣٢، وفى ص ٥٨٧ وما بعدها).
ولا يمكننا أن نعد فلسفة ابن رشد فلسفة مبتكرة (انظر فى هذا الحكم: رينان فى كتابه عن ابن رشد ومدرسته، الطبعة الثالثة، ص ٨٨) لأنها فلسفة تلك المدرسة التى نحا أفرادها منحى اليونان وعرفوا "بالفلاسفة" والتى أخذ بها من قبله الكندى والفارابى وابن سينا فى المشرق، وابن باجة فى المغرب. ولا شك أنه خالف هؤلاء الفلاسفة العظام الذين سبقوه فى عدة مسائل، إلا أن تلك المسائل كانت فى الدرجة الثانية من الأهمية. ويمكننا أن نقول بصفة عامة إن ابن رشد قد اتبع مذهب أولئك الفلاسفة وطريقهم فى التفلسف.
وعلى هذا فإن شهرة ابن رشد ترجع فى الأغلب إلى عمقه فى التحليل وقدرته فى الشرح، وهما صفتان يصعب علينا اليوم أن نقدرهما حق التقدير لاختلاف طرائق تفكيرنا ومناهجنا العلمية، مع أن هاتين الصفتين كانتا موضع تقدير علماء القرون الوسطى، وخاصة الأوساط اليهودية والنصرانية. وكان الإعجاب بشروحه عظيما حتى بين رجال الدين الذين كانوا يرون فى مذهبه خطرا يهدد العقيدة.
وقد هاجم المتكلمون فى الشرق الإسلامى الفلاسفة فى عنف، وكان كتاب "تهافت الفلاسفة" الذى نقد الغزالى فيه الفارابى وابن سينا على الخصوص أهم أثر لهذا النزاع. أما فى الغرب فقد هاجمهم أولا متكلمو الأندلس من المسلمين، ثم علماء اللاهوت من النصارى عندما ترجمت لهم شروح ابن رشد. وحرم أساقفة باريس وأكسفورد وكانتربرى فى القرن الثالث عشر الميلادى قراءة مصنفات ابن رشد لنفس الأسباب التى حدت بفقهاء الأندلس السنيين إلى تحريم قراءتها. وأهم ما فى مذهب ابن رشد من المسائل